للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ غَيْرُ الْمَدَائِنِيِّ: لَمَّا غَلَبَ ابْنُ حَسَّانٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ، دَسَّ مُعَاوِيَةُ ابْنَهُ يَزِيدَ إِلَى الأَخْطَلِ، فَأَمَرَهُ بِهِجَائِهِمْ، فَهَجَاهُمْ، فَقَالَ:

ذَهَبَتْ قُرَيشٌ بِالسَّمَاحَةِ وَالنَّدَى ... وَاللُّؤْمُ تَحْتَ عَمَائِمَ الأَنْصَارِ

قَوْمٌ إِذَا هَدرَ الْعَصِيرُ رَأَيْتَهُمْ ... حُمْرًا عُيُونُهُمُ مِنَ الْمُسْطَارِ

وَإِذَا نَسَبْتَ ابْنَ الْفُرَيْعَةِ خِلْتَهُ ... كَالْجَحْشِ بَيْنَ حِمَارَةٍ وَحِمَارِ

فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ:

أَبْلِغْ قَبَائِلَ تَغْلِبَ ابْنَةِ وَائِلٍ ... مَنْ بِالْفُرَاتِ وَجَانِبِ الثَّرْثَارِ

فَاللُّؤْمُ فَوْقَ أُنُوفِ تَغْلِبَ بَيِّنٌ ... كَالرَّقْمِ فَوْقَ ذِرَاعِ كُلِّ حِمَارِ

فَقَالَ الأَخْطَلُ:

عَذَرْتُ بَنِي الْفُرَيْعَةِ أَنْ هَجَوْنَي ... فَمَا بَالِي وَبَالُ بَنِي بَشِيرِ

أَفَيْجِعُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ شَثْنٌ ... شَدِيدُ الْقُصْرَيَيْنِ مِنَ السَّحُورِ

قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ بَنِي النَّجَّارِ قَوْلُ الأَخْطَلِ، خَرَجَ وَفْدٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، وَضَعُوا عَمَائِمَهُمْ، وَقَالُوا: أَتَرَى لُؤْمًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَاسْتَعْدَوْا عَلَى الأَخْطَلِ، فَقَالَ: لَكُمْ لِسَانُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ أَجَارَهُ، وَدَسَّ إِلَى يَزِيدَ فَأَجَارَهُ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ يَزِيدُ:

دَعَا الأَخْطَلُ الْمَلْهُوفُ بِالشَّرِّ دَعْوَةً ... فَأَيُّ مُجِيبٍ كُنْتُ لَمَّا دَعَانِيَا

فَفَرَّجَ عَنْهُ مَشْهَدَ الْقَوْمِ مَشْهَدِي ... وَأَلْسِنَةَ الْوَاشِينَ عَنْهُ لِسَانِيَا

قَالَ: وَكَانَ أَشَدَّ الْقَوْمِ عَلَى الأَخْطَلِ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، يَقُولُ الأَخْطَلُ:

أَبَا خَالِدٍ دَافَعْتَ عَنِّي عَظِيمَةً ... وَأَدْرَكْتَ لَحْمِي قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّدَا

وَأَطْفَأْتَ عَنِّي نَارَ نُعْمَانَ بَعْدَمَا ... أَغذَّ لِأَمْرٍ فَاجِرٍ وَتَجَرَّدَا

وَقَالَ ابْنُ حَسَّانٍ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ:

أَلا مَنْ رَسُولِي أَصْلَحَ اللَّهُ بَالَهُ ... وَأُعْطِي مِنَ الْحَاجَاتِ مَا كَانَ يَطْلُبُ

يُبَلِّغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسَالَةً ... تَنَخَّلَهَا مُمْلٍ وَآخَرُ يَكْتُبُ

فَيُخْبِرُ فِيهَا أَنَّ بيْنِي وَبَيْنَهُ ... أَوَاصِرَ لا تُرْعَى وَلا هِيَ تُقْرَبُ

وَأَنَّ يَزِيدَ لَيْسَ يَطْلُبُ عِنْدَنَا ... كِتَابًا وَلا حَقًّا وَذُو الْحَقِ يَطْلُبُ

وَأَنَّ يَزِيدَ كَانَ فِي مُتَنَزَّهٍ ... وَفِي مَعْزَلٍ عَمَّا تُدَاوِلُ تَغْلِبُ

رِجَالٌ أَصِحَّاءُ الْجُلُودِ مِنَ الْخَنَا ... وَأَلْسِنَةٌ مَعْرُوفَةٌ أَيْنَ تَذْهَبُ

فَلا تَجْعَلَنَّا لُعْبَةً لِقَطِينِهِ ... فَيَعْلَمُ إِنْ عِشْنَا بِمَا كَانَ يَلْعَبُ

وَأَنِّيَ مِمَّا أُخْمِدُ الْحَرْبَ تَارَةً ... وَأُحْمَلُ أَحْيَانًا عَلَيْهَا فَأَرْكَبُ

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، عَنْ زَكَرِيَا بْنِ عِيسَى بْنِ شِهَابٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيسٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ أَنْ يُهَاجِيَ النَّجَاشِيَّ، قَالَ لَهُ أَبُوهُ: هَلُمَّ فَأَنْشِدْنِي مِنْ شِعْرِكَ، فَإِنَّكَ تُهَاجِي النَّجَاشِيَّ أَشْعَرَ الْعَرَبِ، فَأَنْشَدَهُ، فَأَهْوَى حَسَّانٌ إِلَى شَيْءٍ خَلْفَهُ فَعَلاهُ ضَرْبًا، ثُمَّ قَالَ: يَا عَاضَّ بَظْرَ أُمِّهِ أَبِهَذَا تُهَاجِيهِ؟ اذْهَبْ، فَقُلْ ثَلاثَ قَصَائِدَ قَبلَ أَنْ تُصْبِحَ.

قَالَ: فَقَالَ ثَلاثَ قَصَائِدَ، ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ.

<<  <   >  >>