للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكذلك اختلف أصحاب الشافعيِّ في السبّ الذي ينتقض به عهدُ الذَّمي ويُقْتَل به إذا قلنا بذلك على وجهين:

أحدهما: ينتقض بمطلق السبِّ لنبينا والقدح في ديننا إذا أظهروه، وإن كانوا يعتقدون ذلك دينًا، وهذا قول أكثرهم.

والثاني: أنهم إن ذكروه بما يعتقدونه فيه دينًا (١) مِن أنه ليس برسولٍ والقرآن ليس بكلام الله؛ فهو كإظهارهم قولهم في المسيح ومعتقدهم في التثليث، قالوا: وهذا لا ينتقض العهدُ به بلا تردد، بل يُعَزَّر على إظهاره.

وأما إذا ذكروه بما لا يعتقدونه دينًا؛ كالطعن في نسبِه؛ فهو الذي قيل فيه: ينقض العهدَ، وهذا اختيار الصيدلاني وأبو المعالي (٢) وغيرهما.

والأدلَّة تدلُّ على أن السبَّ بما يعتقدونه فيه دينًا وما لا يعتقدونه فيه دينًا سواء، وأنَّ مطلق السبَّ مُوجبٌ للقتل، وقد تقدم ذلك بما فيه كفاية. فإن الذين كانوا يهجونه ويعيبونه وينفَّرون عنه الناس إنما كان ذلك فيما يعتقدونه، ومع ذلك أمرَ بقتلهم.

وهذا الفرق متهَافِتٌ جدًّا (٣).

وأيضًا: لو قلنا: لا يكون سبًّا إلا ما ليس دينًا لهم أمْكَنَ كلُّ من


(١) تحرفت العبارة في "الصارم": إلى: "أنهم إذا أظهروه، وإن كانوا يعتقدون فيه دينًا من أنه ... " وهو انتقال نظر من السطر الذي قبله.
(٢) الصيدلاني تقدَّم، وأبو المعالي هو: إمام الحرمين الجويني ت (٤٧٨).
(٣) ذكر في الأصل ثلاثة وجوه للتهافت، وما ذكره المختصِر هو الثالث.

<<  <   >  >>