للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يفِ أحد المتعاقدين بما شَرَطَه، والحكمة ظاهرة؛ فإنه إنما التزمَ ما التزمَه بشرطِ أن يلتزم الآخر بما التزمه، فإذا لم يلتزم له الآخر صار هذا غير ملتزم، فإن الحكم المعلَّق بشرطٍ لا يثبت عند عدمه باتفاق العقلاء.

إذا تبيَّن ذلك، فإن كان المعقود عليه حقًّا للعاقد، له أن يَبْذله بدون الشرط، لم ينفسخ العقد بفواته، بل له فسخه، كما إذا شرَط رهنًا في البيع.

وإن كان حقًّا لله أو لغيره ممن يتصرَّف له بالولاية؛ لم يَجُز إمضاء العقد، بل ينفسخ بفوات الشرط، أو يجب فسخُه، كما إذا شَرَطَ الزوجةَ حُرة مسلمة فبانت وثنيَّة.

وعقد الذِّمة ليس حقًّا للإمام؛ بل هو حق لله ولعامة المسلمين، فإن خالفوا شيئًا مما شُرِط عليهم فقد قيل: يجب على الإمام فسخ العقد، وفَسْخُه: أن يُلْحِقَه بمأمَنِه ويُخرجه من دار الإسلام، وهذا ضعيف؛ لأن الشرط حقٌّ لله، فينفسخ العقد بفواته من غير فسخٍ، وهنا شروط (١) الذمة حق لله.

ولو فُرِض جواز إقرارهم بلا شرط، فإنما ذاك فيما لا ضرر فيه على المسلمين، فأما ما يضرُّ بالمسلمين، فلا يجوز إقرارهم عليه بحال، ولو فُرِض إقرارهم على ما يضرُّ المسلمين في أنفسهم وأموالهم فلا يجوز إقرارهم على إفساد (٢) دين الله والطعن على كتابه ورسوله.

ومقتضى عقد الذِّمة أن لا يُظهروا سبَّ الرسول، كما أن سلامة


(١) وقع في الأصل سهوًا: "شر"!
(٢) في الأصل: "فساد" والمثبت من "الصارم".

<<  <   >  >>