للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم علم بعد آدم من عرب الأنبياء، صلوات الله عليهم، نبيًا نبيًا، ما شاء أني علمه حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، فآتاه الله عز وجل من ذلك ما لم يؤته أحدًا قبله، تمامًا على ما أحسنه من اللغة المتقدمة. ثم قر الأمر قراره فلم نعلم لغة بعده حدثت. أهـ".

ثم قال: "وقد كان في الصحابة، رضوان الله عليهم، وهم البلغاء الفصحاء، من النظر في العلوم الشريفة ما لا خفاء به، وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو إحداث لفظة لم تتقدمهم. ومعلوم أن حوادث العالم لا تنقضي إلا بانقضائه، ولا تزول إلا بزواله، وفي ذلك دليل على صحة ما ذهبنا إليه من هذا الباب. أهـ".

الرد على هذا المذهب:

يظهر أن أبا الحسين بن فارس يخص بحثه باللغة العربية فيقول: إنها جاءت بالوحي والإلهام إلى الأنبياء من أبناء العرب، من آدم إلى خاتم الأنبياء، صلعم، وإنها كانت تأتي على قدر الحاجة من طريقهم فقط. ولكنها تثبت كما أتت زكما نصوا عليه. ويقول بنفي المواضعة والاصطلاح، ثم أورد دلليه على ذلك.

أما حصر بحثه في اللغة العربية فلأنها مدار البحث في كتابه. وأما الوحي والإلهام، وأنه كان يأتي على قدر الحاجة فلا نعرف له دليلًا مما جاء به على صحته. ولم نجد في تعاليم نبي من الأنبياء مما وصل إلينا منها ما يدل على شيء من ذلك، فهي إذًا دعوى بلا دليل.

والدعاوى، ما لم تقيموا عليها ... بينات، أبناؤها أدعياء

وأما نفيه المواضعة والاصطلاح فله رأيه، وكثير غيره نفوه، ولكن ما أورده من الدليل لا ينهض بالمراد، وليس فيه قوة ولا شبه قوة تؤيد إنكاره هذا لها.

وما كان إجماع العلماء على الاحتجاج بلغة القوم ليمنع من كونها مواضعة واصطلاحًا، بل يصح لنا الاحتجاج بكلامهم على هذا التقدير كما نحتج في أصل أو قاعدة من أصول العلم وقواعده بكلام الأئمة في ذلك العلم. فكذا يصح لنا الاحتجاج هناك مع كونه اصطلاحًا عليه، يصح لنا الاحتجاج هنا مع كونها كذلك لا فرق. وكما لا يصح لنا أن نجعل موضوعات وأصولًا جديدة في أصول العلم المصطلح عليها لشلا تقع الفوضى في الوضع، كذلك لا يصح لنا وضع أسماء لما وضعوا له، ليكون لنا مثل حالهم من حق الاحتجاج بكلامهم.

ثم إننا اصطلحنا على لغة اليوم، كما قال ابن فارس، فهل يكون اصطلاحنا هذا هو من تلك اللغة؟ - والمفروض أنه مغاير لاصطلاحهم - أو هو إحداث لغة جديدة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>