للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صحة ما وفقوا لتقديمه منه ولطف ما أسعدوا، وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله، فقوي في نفسي اعتقاد كونها توفيقًا من الله سبحانه وأنها وحي. ثم أقول في ضد هذا أنه كما وقع لأصحابها ولنا، وتنبهوا وتنبهنا على تأمل الحكمة الرائعة الباهرة، كذلك، لا ننكر أن يكون الله قد خلق قبلنا، وإن بعد مداه عنا، من كان ألطف منا أذهانًا وأسرع خواطر وأجرأ جنانًا .... فأقف بين الخلتين حسيرًا وأكاثرهما فانكفئ مكثورًا. وإن خطر خاطر بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها عن صاحبتها قلنا به."

اللغة من الأصوات الطبيعية للإنسان:

وقالوا في نفي القول المتقدم وإثبات ما يريدون: إن الإنسان الذي هو أرقى الحيوانات أجدر أن لا يقلد العجماوات، مع أن له أصواتًا خاصة طبيعية تعرض له عند تقلب حالاته، فله العويل في البكاء، والقهقهة في الفرح، وآخ في الألم، وآه عند التوجع، وأوه عند التضجر، وأشباه ذلك، أفلا تكون هذه الأصوات الطبيعية أصل اللغات؟

- ما قيل في هذين القولين:

وقيل فيهما: إنه لو كانت اللغات مشتقة من هذا أو ذاك، لكان الشبه بين الأصوات والمسميات حاصلًا، مع أن التباين واضح بحيث يعسر رد أحدهما إلى الآخر. وأي مناسبة بين نزيب الظبي واسمه، وبين عواء الكلب واسمه، وبين "آخ" الصادر عن الألم وكلمة ألم الموضوعة له. وقد علم أنه بزيادة تحليل الألفاظ وتجريد الأصول، يقل عدد الكلمات المحكية حتى لا يبقى ريب في أن الأصول ليست منها.

رد مكس مللر على المذهبين:

ورد مكس مللر على المذهبين: "بأن حكاية الأصوات إن استعملها المتكلم عندما تعوزه الحاجة إلى الكلام، إنما يريد بها جزئيًا مشخصًا، لأنها تحل محل الإشارة التي تتخصص بالدلالة على الجزئي دون الكلي. فإذا قلد الهر بالمواء وهو يريد الإشارة إلى هر خاص، فهو إنما يريد هذا الجزئي، ثم أطلقه على كل هر لعدم الفارق عنده بين هذا الجزئي وكليه. ولكن الصحيح أن الإنسان وضع الألفاظ للدلالة على الصور الكلية ثم طبقها على الجزئيات."

اللغة صوت طبيعي لقوة في الدماغ:

ثم قال مكس ملللر: "إن لكل جسم من الأجسام صوتًا خاصًا به إذا قرع ظهر هذا الصوت متميزًا عن غيره. فللذهب مثلًا رنة غير رنة الفضة، وهكذا الحديد والخزف والخشب،

<<  <  ج: ص:  >  >>