النبي بعامين أو ثلاثة، وذلك في زمن زهرة الجاهلية. وأما حذف حرف اللين من عام وظالم وإلحاق الواو بظالم فهو اصطلاح خطي كما عرفت. وقد كان رسم هذا الأثر بعد اثر أنمارة بنحو مائتين وأربعين عامًا، فانظر مدى التطور في عبارة هذين الأثرين في هذه المدة من الزمن، وربما كان أثر أنمارة متأثرًا بمحاكاة اللغة النبطية ذات السلطان في وقته في العبارة والأسلوب، واستعارة كلمات لا وجود لها في العربية "كعدي وبر"، أكثر من مراعاتها للغة أو للهجة الدارجة يومئذ. أما (مفسد خيبر) في نقش كنيسة حران فهو من ملوك غسان، قيل: إنه الحرث بن أبي شمر الغساني، كما في المعارف لابن قتيبة، وقيل: هو أبو جبيلة من ملوك غسان، غزا اليهود في الحجاز واستباحهم، كما في تاريخ ابن خلدون.
ويتصل بحوران مما وراءها منطقة الصفا وسكانها عرب؛ قال العالم ليتمان: إنه ليس بينهم وبين قبائل العرب في الجزيرة فروق كبرى. وكانت في عصر هذا النقش مركزًا للرمان ترد عن الحاضرة غارات العرب المجاورين، ولذلك أثرت فيهم مدنية الرومان كما أنهم تأثروا قبل ذلك بمدنية الآراميين، ولكن حياتهم لم تزل صحراوية، كما يقول ليتمان.
وقد كشفت لهم آثار في هذه المنطقة ونقوش، يرجح الأستاذ ليتمان أنها ترجع غلى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد، أكثر ألفاظها عربية بحتة أفعالًا وأسماء مثل: شتى أي أقام في الشتاء، وشنأه: بمعنى كرهه، ورعى الضأن، ووجد أثر أخيه فنقم، ورحض بمعني غسل، وذبح ذبيحة. ومثل: أسد، وليث، ولبأة، وغزال، وإبل، وجمل، وبكر، ومهر، وحمار، وضأن، وماعز، وبقر، ووعل، وضبع، وضب، وقنفذ، وغير ذلك.
وقد استعملوا الهاء أداة للتعريف. وكذلك وجدت في النقوش والآثار الثمودية التي هي أيضًا عربية، من العرب البائدة، وأسلوبها قريب من العربية الفصحى. ونذكر مثالًا منها في أحد نقوشهم وهي:(هـ ل هـ ي) يا إلهي، (أسعد) ساعد، (سعدت) سعدة، (عل) علي، (دورت) دورة.
ونقش آخر وهو شطر بيت من الشعر:
ل ت م ... ي غ ث ب ن ج ش م ... هـ وع ل
(لتيم يغوث بن جشم الوعل) أي: هذا الوعل هو لتيم يغوث بن جشيم. فقدم الظرف وهو خبر المبتدأ على المبتدأ، كما يقال: لزيد المال.
أثر التطور في اللغة العربية
الحميرية لغة عربية: بعد أن كانت الجزيرة العربية قسمين: جنوبية، وهي اليمن، باديتها