وحاضرتها، وشمالية موزعة بين الحجاز ونجد وما إليهما من البوادي والحواضر؛ وبعد أن كان لليمن قسطها من التمدن وكان لها دول وحكومات معروفة، تنوعت أسماؤها واختلفت ثقافاتها من معينيين وسبئيين وحميريين، ومضت على ذلك السنون، وتعاقبت الأجيال والقرون. بعد هذا اختلفت اللهجات وتنوعت اللغات القومية، حتى قال بعض الباحثين بتغاير الحميرية والعربية الشمالية ونقلوا أن أبي عمرو بن العلاء قوله:"ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا." ويمكن الاعتذار لأبي عمرو عن قوله هذا، أنه يريد باللسان واللغة، في قوله هذا، لغة القبيلة لا اللغة عامة كما تقول: إن لغة الحجازيين غير لغة بني تميم. وقد جعل ابن دريد الهسع والهميسع من أسماء الحميريين طارئتين على اللغة من العبرانية أو الآرامية، لأنه لا يعرف لها اشتقاقًا في العربية. ويقول الصاغاني في رده عليه:"إن ابن دريد قد أبعد في المرام وأبعد في السوم. ولو علم من أين تؤكل الكتف ومن أي الفصول يقتطف لتنصل من ارتكاب التكلف، وهذه الأسماء عربية حميرية. واشتقاقها من هسع إذا أسرع. فتأمل ذلك." هذا كلام الصاغاني، وهو صريح في أن الحميرية من صلب العربية.
ومع ذلك كله، فالاختلاف بين الحميرية والعدنانية مما لا ريب فيه. وذلك ليس بغريب عند من يؤمن بتطور اللغات واختلاف اللهجات، بل وبعض المفردات، باختلاف البيئة والأحوال. ولو لم يكن من المتفق عليه بين أهل الجنوب والشمال اشتراكهم في العربية، وأنهم جميعًا أبناؤها البررة، وأنها أصلهم الذي إليه يرجعون وجامعتهم التي عليها يجتمعون، لما عملوا في توحيد لهجاتهم ولغاتهم، ولما جاهدوا لتقريب ما بينهم، ولما كانوا يقولون في متون اللغة عند تعداد المعاني العربية للكلمة: لغة يمانية أو لغة حميرية؛ بل هم في ذلك كما يقولون: لغة تميمية، ولغة حجازية، ولغة لبني فلان ... وما كهلان، وقضاعة وحمير، وزيد الجمهور، ولخم، وعاملة إلا قبائل عربية كعدنان وربيعة ومضر وتممي وغيرها ...
ولا يستطيع منكر أن ينكر أن هذه القبائل كانت تجتمع من جنوبيين وشماليين في أسواقها، وتتفاهم دون أدنى كلفة. يساعدهم على ذلك أن لغاتهم أو لهجاتهم على ما كانت عليه، كانت متحدة في صميمها، وأن هذا الاختلاف لمي عد كونها لهجات للغة واحدة.
كيف توحدت اللغة؟
لم يكن بين قسمي الجزيرة تقاطع ولا تهاجر، بل دلت الآثار والأخبار على انه كان بينهما اتصال دائم كما سيأتي.
لما حمل عمالقة العراق، أيام هجرتهم إلى جنوبي الجزيرة، لغتهم، وانتشرت بين سكان