(٢) وهذا ليس محلّ اتفاق العلماء، بل الصحيح وجوب فعله، واختلفوا هل يكون أداء أم قضاء: جاء في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٧١): (قال الزيلعيُّ: من لم يجِد وقتَ العشاءِ والوترِ؛ بأن كانَ في موضعٍ يطلُعُ الفجرُ فيهِ كما تغرُبُ الشمسُ أو قبلَ أن يغيبَ الشفقُ لم يجبا عليه، وذكر المرغينانيّ أنّ برهانَ الدينِ الكبيرِ أفتَى بأنَّ عليهِ صلاةَ العشاءِ، ثمَّ إنّه لا ينوي القضاءَ في الصحيحِ، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الوجوبَ بدونِ السبب لا يُعقَلُ، وكذا إذا لم ينوِ القضاءِ يكونُ أداءً ضرورةً، وهو فرضُ الوقتِ، ولم يقل به أحدٌ. انتهى. أقولُ ما ذكرَهُ واضحٌ، ولكنْ يُمكِنُ التوجيهُ بأنَّ انتفاءَ الدليلِ على الشيءِ لا يستلزمُ انتفاءَهُ؛ لجوازِ دليلٍ آخر، وهو: أنَّ اللهَ تعالى كتبَ على عبدِهِ كلَّ يومٍ صلواتٍ خمسًا، ولا بدَّ أن يصلِّيَ العشاء حتّى يوجدَ الامتثالُ لأمرِهِ تعالى. ولا ينوِ القضاءَ؛ لأنَّهُ مشروطٌ بـ: - دخولِ الوقتِ، - وعَدَمِ الأداءِ فيهِ، ولم يوجدِ الوقتُ حتى ينويَ القضاءَ تدبَّرْ. وعلّل السقوط في البحر الرائق شرح كنز الدقائق بعدم المحلّ فقال (١/ ٢٥٩): (كما يسقطُ غسلُ اليدينِ مِنَ الوضوءِ عن مقطوعِهِما من المرفقينِ. وأفتى بعضُهُم بوجوبِها [أي: العشاء]، واختارَهُ المحقِّقُ في فتحِ القديرِ بـ: * ثبوتِ الفرقِ بينَ عدمِ محلِّ الفرضِ وبينَ سببِهِ الجَعليِّ؛ الذي جُعِلَ علامةً على الوجوبِ الخفيِّ الثابتِ في نفسِ الأمرِ، *وجوازِ تعدُّدِ المعرّفاتِ للشيءِ، فانتفاء الوقتِ انتفاءُ المعرِّفِ، وانتفاءُ الدليلِ على الشيء لا يستلزمُ انتفاءَهُ؛ لجوازِ دليلٍ آخرَ، وهوَ ما تواطأت عليه أخبارُ الإسراءِ من فرضِ اللهِ الصلاةَ خمسًا، إلى آخره. والصحيحُ أنّهُ لا ينوي القضاءَ؛ لفقدِ وقتِ الأداءِ. ومَن أفتَى بوجوبِ العشاءِ يجبُ على قولِهِ الوترُ أيضًا). فالظاهر وجوبُ أدائهما بين المغرب والفجر.