والتعدد والسماحة وغيرها تُنوزل عنها. فكان التنازل عن المبادئ والمثل مساندا للمنصرين في شق طريقهم في المجتمعات وبين القبائل، التي تخضع لأوامر شيخ القبيلة، الذي يخضع بدوره لضغط مستمر من المنصرين بقبول النصرانية، مع البقاء على ما هو عليه من عادات وتقاليد محلية لا تتفق بالضرورة مع أولويات الرسالات السماوية. وإن لم يقبل بالنصرانية فليتخل عن الإسلام - إن كان مسلما أو قريبا من الإسلام - ولا مانع لدى المنصرين في سبيل الوصول إلى هذه الغاية من التضحية بتعاليم المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - الموروثة التي يدعون إليها في مجتمعاتهم نظريا على أحسن الأحوال.
[تجهيز المنصرين]
١١ - تجهيز المنصرين: ومؤسسات التنصير من جمعيات ومنظمات تعمد إلى تجهيز المنصرين تجهيزا تاما مستغلة فيهم استعدادهم الذاتي للرحلة والمغامرة. فتعمل هذه المؤسسات على تعليمهم اللغات والطباع والعادات والأديان السائدة وجوانب الضعف فيها، وإن لم يكن فيها جوانب ضعف أوجدوا فيها هذه الجوانب، كما هو الحال في موقفهم من الإسلام، مستعينين لهذا العمل بافتراءات المستشرقين القديمة والحديثة. فينطلق المستشرقون والمنصرون وهم على دراية بالمجتمعات المقدمين عليها. كما أنهم على استعداد لمواجهة الصعاب والعقبات فيما يتعلق بالتعامل أو العيش أو العادات الغذائية أو السكن، يشاطرون الناس طعامهم ومعاشهم ومسكنهم ولباسهم أحيانا، وإن لم يكونوا على قناعة تامة بما يعملون، وبخاصة في مجالات العادات الغذائية والتقاليد الأخرى. وفي مجتمعاتنا العربية أكلوا لحم الجزور وشربوا حليب الخلفات ولبنها، بل جلسوا تحت النياق يحلبونها، وأكلوا الأقط والكمأ، بل ربما جربوا أكل الجراد والحيوانات البرية التي لم يعهدوا في حياتهم ومجتمعاتهم الغربية، وهم أولئك الذين يعتقدون أن الجمل حيوان متوحش خشن. وعلى مثل هذا يقاس الوضع في المجتمعات الأخرى في آسيا وإفريقيا.