الهمم ووجوده سبق العدم واسمه سبق القلم لأنه كان قبل الأمم ".
وبناء على ذلك نراه ينكر الوحي ويزعم أن الرسول جاء بالرسالة من ذاته وأخبر بها عن بصيرته. ويتمشى هذا منطقيا مع قوله بقدم النور المحمدي وأنه هو مصدر الوحي والإله أم لجميع الأنبياء والأولياء، ثم مع مذهبه في الحلول الذي يرى بأن الإله حل في آدم ثم الأنبياء من بعده. فلا حاجة مع ذلك إلى الوحي. وبذلك يكون الحلاج بمذهبه هذا قد حاول أن يصل بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الغلو إلى ما وصلت إليه النصرانية بالغلو في عيسى إذ جعلوه الكلمة الإلهية الأزلية الحالة في الناسوت فقالوا عنه إنه ابن الله.
أما الحلاج ومن تابعه من الحلوليين فيرون أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المظهر الذي حل فيه الإله أو الناسوت الذي حل فيه اللاهوت. ولم يكن هذا الحلول خاصا بالرسول بل تعدى إلى الأولياء من بعده، وهذا كفر أشنع من كفر النصارى لأن النصارى خصوا الحلول بعيسى، أما الحلاج فقد عممه في الأنبياء والأولياء على السواء.
على أنه ينبغي أن نلاحظ أن غلو الحلاج في الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن نابعا من حبه له. وإنما كان هدفه من وراء ذلك الغلو هو ادعاؤه للألوهية وتصريحه بحلول الله فيه، ودعوة أتباعه إلى عبادته، طالما أن حلول الإله مستمر في الأولياء بعد الأنبياء بزعمه.
ولذلك حكم عليه فقهاء عصره بردته وإهدار دمه وقتله جزاء وفاقا لكفره وزندقته.
وقد كان مقتل الحلاج بسيف الشرع سببا مهما في استتار ملاحدة الصوفية بدعوتهم الباطنية الرامية إلى إخراج المسلمين من دينهم إلى الزندقة والكفر حتى لا يحصل لهم ما حصل للحلاج. فكانوا على حذر تام من الوقوع تحت سيف الشرع، فإذا وجدوا فرصة ضعف في المسلمين جاهروا بآرائهم، كما كان مقتل الحلاج سببا لإظهار عداوة ملاحدة الصوفية للفقهاء وتنفير أتباعهم منهم.