تحقيقها؛ لأن النسخ الصحيحة تضيع في مثل هذه الأحداث، ويكون للمحرفين مجال كبير للتحريف المناسب لأهوائهم.
وبسبب الحوادث المذكورة وغيرها فقدت الأسانيد المتصلة لكتب العهدين، وصار الموجود باسم كتب العهدين جعليا مختلقا، فلا يوجد عند اليهود ولا عند النصارى سند متصل لكتاب من كتبهم، وقد طلب الشيخ رحمت الله في مناظرته للقسيسين فندر وفرنج السند المتصل لأي كتاب من كتبهم، فاعتذرا بأن سبب فقدان الإسناد هو وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة (٣١٣م) .
وبهذا ثبت أنه لا يوجد دليل قطعي على أن النسخ الموجودة بين أيديهم قد كتبت في قرن معين، وليس مكتوبا في آخر أسفارها أن كاتبه فرغ من كتابته في سنة معينة كما هو الحال في نهاية الكتب الإسلامية غالبا، فأهل الكتاب يقولون رجما بالغيب وبالظن الذي نشأ لهم من بعض القرائن أنها لعلها كتبت في قرن كذا أو قرن كذا، مجرد الظن والتخمين لا يتم دليلا على المخالف.
ونحن المسلمين لا نقول إن كتب أهل الكتاب لم تحرف قبل زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأنها حرفت بعد زمانه فقط، بل إن إجماع المسلمين كلهم على أن كتب أهل الكتاب حرفت وفقدت إسنادها قبل زمانه صلى الله عليه وسلم، وأن التحريف في كثير من المواضع وقع فيها بعد زمانه أيضا، وكثرة النسخ لا تنفع في رد التحريف، بل إن وجود نسخ كثيرة قديمة يكون نافعا لدعوى التحريف، باعتبار أن اشتمال هذه النسخ على الكتب الجعلية المكذوبة، واختلافها عن بعضها اختلافا شديدا، من أعظم الأدلة الدالة على تحريف أسلافهم لكتبهم المقدسة،