للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من قبلهم، وخلافهم لمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم له، وتعجبهم مما أتى به، وإجماع ملئهم على الكفر، وظهور الحسد في كلامهم، ووعيدهم بخزي الدنيا والآخرة، وتكذيب الأمم قبلهم وإهلاك الله لهم، ووعيد قريش وأمثالهم مثل مصابهم، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر على أذاهم، وتسليته بقصص الأنبياء قبله، وكل هذا الذي الذكر جاء بألفاظ يسيرة متضمنة لمعان كثيرة.

وقوله تعالى في سورة البقرة آية ١٧٩: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] فإن هذا القول لفظه يسير ومعناه كثير، ومع بلاغته فهو مشتمل على المطابقة بين المعنيين المتقابلين وهما القصاص والحياة، وعلى الغرابة في جعل القتل المفوت للحياة ظرفا لها، فهو أولى من جميع الأقوال المشهورة عند العرب في باب منع القتل؛ لأنهم عبروا عن هذا المعنى بقولهم: (قتل البعض إحياء للجميع) ، وقولهم: (أكثروا القتل ليقل القتل) ، وقولهم: (القتل أنفى للقتل) ، وهذا القول الأخير أخصر أقوالهم وأجودها، ولكن لفظ القرآن أفصح منه وأبلغ لما يلي:

قوله تعالى: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] أخصر من كل أقوالهم.

قولهم: (القتل أنفى للقتل) يقتضي كون الشيء سببا لانتفاء نفسه، بخلاف لفظ القرآن الكريم، فإنه يقتضي أن نوعا من أنواع القتل - وهو القصاص - سبب لنوع من أنواع الحياة.

أن في قولهم الأخصر والأجود (القتل أنفى للقتل) تكرار للفظ القتل، بخلاف لفظ القرآن الكريم.

أن قولهم الأخصر والأجود لا يفيد إلا الردع عن القتل فقط، بخلاف لفظ القرآن فإنه يفيد الردع عن القتل والجرح، فالقصاص يشملهما.

<<  <   >  >>