للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البلاغة الخارجة عن العادة، ومن كان أعرف بلغة العرب وفنون بلاغتها كان أعرف بإعجاز القرآن.

الأمر الثاني: تأليف القرآن العجيب، وأسلوبه الغريب في المطالع والمقاطع والفواصل، مع اشتماله على دقائق البيان وحقائق العرفان، وحسن العبارة ولطف الإشارة، وسلاسة التركيب وسلامة الترتيب، فتحيرت فيه عقول العرب العرباء (أي الخلص الصرحاء) ، والحكمة في هذه المخالفة أن لا يبقى لمتعسف عنيد مظنة السرقة، وأن يمتاز هذا الكلام عن كلامهم ويظهر تفوقه؛ لأن البليغ - ناظما كان أو ناثرا - يجتهد في هذه المواضع اجتهادا كاملا، ويمدح ويعاب عليه غالبا في هذه المواضع، وقد عيب على جميع فحول الشعراء مواضع لم يحسنوا فيها العبارة أو كانت مسروقة عن غيرهم.

وأشراف العرب مع كمال حذاقتهم في أسرار الكلام وشدة عداوتهم للإسلام، لم يجدوا في بلاغة القرآن وحسن نظمه مجالا، ولم يوردوا في القدح مقالا، بل اعترفوا أنه ليس من جنس خطب الخطباء ولا شعر الشعراء، فنسبوه تارة إلى السحر تعجبا من فصاحته وحسن نظمه، وقالوا تارة إنه إفك افتراه وأساطير الأولين، وقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم في سورة فصلت آية ٢٦: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٢٦]

وهذه كلها دأب المحجوج المبهوت، فثبت أن القرآن الكريم معجز ببلاغته وفصاحته وحسن نظمه.

ولقد كان فصحاء العرب وبلغاؤهم كثيرين ومشهورين بغاية العصبية والحمية الجاهلية، وبتهالكهم على المباراة والمباهاة والدفاع عن الأحساب،

<<  <   >  >>