من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك. قال «أتأذنين لي أن أحلبها؟» قالت: نعم - بأبي أنت وأمي - إن رأيت بها حليبا فاحلبها.
فمسح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - بيده ضرعها، وسمى اللَّه ودعا، فتفاجت عليه ودرت. فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا. ثم شرب هو. وحلب فيه ثانيا فملأ الإناء. ثم غادره عندها وارتحلوا.
فقل ما لبثت أن جاء زوجها يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا. فلما رأى اللبن قال: من أين هذا؟ والشاء عازب. ولا حلوبة في البيت؟ . قالت: لا واللَّه إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حديثه كيت وكيت، قال: واللَّه إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه. صفيه لي يا أم معبد.
قالت: ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صورته صحل وفي عنقه سطع. وفي لحيته كثاثة أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر إذا صمت علاه الوقار وإذا تكلم علاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب. حلو المنطق، فصل: لا نذر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا تقتحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول. غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا. له رفقاء يحفون به. إذا قال استمعوا لقوله. وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود. لا عابس ولا مفند (١) .
(١) هو الذي لا فند ولا ضعف في كلامه ولا يرد عليه في أي شأن لكمال قوته وحكمته.