ثم ذكر حكمه صلى الله عليه وسلم بين قريش في الحجر الأسود عند بنائهم الكعبة. وذكر قصة بنائها.
[قصة الحمس]
وذكر أمر الحُمْس - وقال: إن قريشًا ابتدعته رأيًا رأوه. فقالوا: نحن بنو إبراهيم، وأهل الحرم، وولاة البيت. فليس لأحد من العرب مثل حقنا. فلا تعظموا أشياء من الحل مثلما تعظمون الحرم، لئلا تستخف العرب بحرمتكم. فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها، مع معرفتهم أنها من المشاعر ومن دين إبراهيم. ويرون لسائر العرب أن يقفوا بها، ويفيضوا منها، إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم. فلا ينبغي لنا أن نخرج منه. نحن الحمس و"الحمس"(١) أهل الحرم.
ثم جعلوا لمن وُلدوا من العرب من أهل الحرم: مثل ما لهم بولادتهم إياهم. أي يحل لهم ما يحل لهم. ويحرم عليهم ما يحرم عليهم.
وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك.
ثم ابتدعوا في ذلك أمورًا، فقالوا: لا ينبغي للحُمْس أن يَقِطوا الأقطَ، ولا أن يَسْلوا السمن وهم حُرم، ولا يدخلوا بيتًا من شَعر، ولا يستظلوا إلا في بيوت الأدم ما داموا حُرُما.
ثم قالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به من الحل إلى الحرم، إذا جاءوا حجاجًا أو عمارًا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا - أولَ طوافهم - إلا في ثياب الحمس. فإن لم يجدوا منها شيئًا طافوا
(١) أصله من التحميس وهو التشدد والتنطع في الدين، بقصد الترفع والتعالي على غيرهم وسميت قريش "حمسا" لتشددهم وتنطعهم فيما ابتدعوه من الدين الذين خالفوا به الناس، يريدون الشرف عليهم والعلو في الأرض وكانت هذه من صوفية قريش.