وتشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها، حتى إذا نَفَدَ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها. وجعلت تنظر إليه يَتَلَوَّى - أو قال يَتَلَبَّطَ - فانطلقت كراهيةَ أن تنظر إليه. فوجدت الصفا أقرب جبل إليها، فقامت واستقبلت الوادي تنظر: هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدًا. فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها. ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي. ثم أتت المروة، فقامت عليها. فنظرت: هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات - قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذلك سعي الناس بينهما - ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل؟ - تعني الصبي - فذهبت فنظرت. فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت (١) فلم تقر نفسها. فقالت: لو ذهبت لَعَلِّي أحس أحدًا؟ فذهبت فصعدت الصفا. فنظرت. فلم تحس أحدًا. حتى أتمت سبعًا. ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل؟ فإذا هي بصوت. فقالت: أغِثْ إن كان عندك خير. فإذا بجبريل. قال: فقال بعقبه على الأرض. فانبثق الماء فذهبت أم إسماعيل فجعلت تحفر، فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينًا معينًا - وفي حديثه: فجعلت تغرف الماء في سقائها - قال: فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة. فإن ههنا بيتًا لله، يبنيه هذا الغلام وأبوه، إن الله لا يضيع أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية. تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وشماله. فكانت كذلك حتى مرَّت بهم رفقة من جُرهم مقبلين من طريق كَداء،
(١) النشغ: الشهيق بشدة حتى يبلغ إلى الغشي من شدة البكاء.