فلما قدموا المدينة: أفاض أهل الإفك في الحديث. ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - ساكت لا يتكلم. ثم استشار في فراقها. فأشار عليه علي بفراقها، وأشار عليه أسامة بإمساكها.
واقتضى تمام الابتلاء أن حبس اللَّه عن رسوله الوحي شهرا في شأنها، ليزداد المؤمنون إيمانا، وثباتا على العدل والصدق. ويزداد المنافقون إفكا ونفاقا ولتتم العبودية المرادة من الصديقة وأبويها، وتتم نعمة اللَّه عليهم ولينقطع رجاؤها من المخلوق وتيأس من حصول النصر والفرج إلا من اللَّه.
فدخل عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - وعندها أبواها. فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال «يا عائشة إن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري. فإن العبد إذا اعترف بذنبه. ثم تاب تاب اللَّه عليه» .
قالت لأبيها: أجب عني رسول اللَّه. قال واللَّه ما أدري ما أقول لرسول اللَّه.
فقالت لأمها مثل ذلك وقالت أمها مثل ذلك.
قالت فقلت: إن قلت إني بريئة - واللَّه يعلم أني بريئة - لا تصدقوني. ولا أجد لي ولكم مثلا. إلا أبا يوسف حيث قال {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف: ١٨]
قالت فنزل الوحي على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم -. فأما أنا: فعلمت أن اللَّه لا يقول إلا الحق. وأما أبواي فوالذي ذهب بأنفاسهما، ما أقلع عن