للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقول لهم: "أرأيتم إن خالف رجل بالمشرق؟ قالوا: إن خالف رجل قتل، وما قتل رجل في صلاح أمة؟ فقال: والله ما أحب لو أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخذت بقائمة رمح، وأخذت بزجه فقتل رجل من المسلمين ولي الدنيا وما فيها (١).وفي موقف آخر لابن عمر رضي الله عنه يظهر حرصه على موافقة الجماعة وعدم الخروج عنها، أو التسبب بالخروج عليها، إذ طلب معاوية بن أبي سفيان منه مبايعة يزيد ابنه بالخلافة بعده، وبين معاوية سبب ذلك قال: "إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع فقال له ابن عمر: "إذا بايعه الناس كلهم بايعته ولو كان عبدا مجدع الأطراف" (٢).ولما تمت البيعة ليزيد بن معاوية، وشكى الناس منه، وأراد أهل المدينة خلعه، ظهر من حرص الصحابة على جمع الكلمة ووحدة الصف، ما ظهر من تسكين الثائرة، والمناصحة للمخالفين، فلما قيل لأسير (٣). رضي الله عنه ما قيل في يزيد قال رضي الله عنه: "يقولون إن يزيد ليس بخير أمة محمد، ولا أفقهها فقها، ولا أعظمها فيها شرفا، وأنا أقول ذلك، ولكن والله لأن تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن تفرق، أرأيتكم بابا لو دخل فيه أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسعهم أكان يعجز عن رجل واحد لو دخل فيه؟ قالوا: لا، قال: أرأيتكم لو أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: كل رجل منهم لا أهريق دم أخي، ولا آخذ ماله أكان هذا يسعهم؟ قالوا: نعم، قال: فذلك ما أقول لكم" (٤) .. ولقد رفض عبدالله بن عمر ورفض النعمان بن بشير وغيرهم من الصحابة رفضوا خلع يزيد بن معاوية، واشتد نكير ابن عمر على من خلعه. وغضب رضي الله عنه، وخاف الفتنة والفرقة من خلعه والخروج عليه، فجمع حشمه وولده فقال: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة)) وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ... وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه، ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه" (٥).بل ولعلمه رضي الله عنه بحرمة الخروج على السلطان وخطورته وضرره على المسلمين يذهب ناصحا لعبد الله بن مطيع ومن معه من أهل المدينة لما أرادوا خلع يزيد بن معاوية، فيذهب إليه ابن عمر فيقول عبدالله بن مطيع: اطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة، فقال ابن عمر: "إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خلع يدا من طاعة الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) (٦).وكذلك كان أبو أمامة رضي الله عنه حريصا على الجماعة فقال: عن حال الناس والأمراء في خلافة عبدالملك بن مروان قال: "أما والله إني لكاره لأعمالهم، ولكن عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم، والسمع والطاعة خير من الفجور والمعصية (٧).

ومن حرصهم على الجماعة ووحدة الصف أنه لما طلب من ابن عمر مبايعة عبدالملك بن مروان بين رضي الله عنه أن قوله لا يخرج عن قول جماعة المسلمين، وأنه متى ما بايعه الناس بايعه، وفعلا لما تمت البيعة لعبد الملك لم يتأخر ابن عمر في مبايعته.

كل ذلك يبين لنا سلامة الصحابة من الفرقة وحرصهم على الجماعة، فرضي الله عنهم وأرضاهم.


(١) ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (٤/ ١٥١)
(٢) انظر ((البداية والنهاية)) (٨/ ٨٠).
(٣) أسير رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منسوب، انظر الإصابة (١/ ٥٠) دار الفكر، ((الطبقات الكبرى)) (٧/ ٦٧).
(٤) انظر ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (٧/ ٦٧) بتصرف يسير.
(٥) رواه البخاري (٧١١١).
(٦) رواه مسلم (١٨٥١).
(٧) انظر كتاب ((السنة)) للمروزي (٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>