للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: حرصهم على حسم مادة الاختلاف قبل وقوعه، واستدراكه قبل استفحالهلقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم أهمية الجماعة وضرورتها لإقامة هذا الدين، وجعل كلمة الله هي العليا، وعلموا يقينا – كما أخبرهم ربهم – خطر هذه الفرقة إذا دبت في المجتمع المسلم، لذلك حرصوا أشد الحرص على حسم مادة الفرقة والاختلاف بتعلم الناس أصول الاعتقاد، وبيان مسائله التي قد تكون شبهة على بعض الناس، كما كان علي بن أبي طالب يعلم الناس إثبات القدر، وكان عبادة بن الصامت يوصي ابنه بالإيمان بالقدر (١).كما حرص الصحابة رضي الله عنهم على اجتماع الأمة، وعدم حدوث شيء يشوش على العامة أو يوجب اختلافهم، لذلك لما رأى عمر بن الخطاب أبي بن كعب وعبدالله بن مسعود يختلفان في الصلاة في الثوب الواحد، إذ قال أبي: الصلاة في الثوب الواحد حسن جميل، وقال ابن مسعود: إنما كان والثياب قليلة، فخرج عمر مغضبا وقال: "اختلف رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ينظر إليه ويؤخذ عنه، وقد صدق أبي، ولم يأل ابن مسعود، ولكني لا أسمع أحد يختلف فيه بعد مقامي هذا إلا فعلت به كذا وكذا (٢).ومن حرصه أيضا رضي الله عنه ما جمع الناس عليه من عدد تكبيرات صلاة الجنازة، فقد كان الصحابة مختلفين منهم من يكبر خمسا، ومنهم من يكبر سبعا، ومنهم من يكبر أربعا (٣)، فحسم الفاروق رضي الله عنه مادة الاختلاف وجمع الصحابة على أربع تكبيرات ونهاهم عما سوى ذلك.

ومن ذلك أيضا ما وقع بين سلمان الفارسي رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان، حيث كان حذيفة بالمداين فيذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة، فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول، فيرجعون إلى حذيفة ويخبرونه بذلك، فجاء حذيفة لسلمان وقال له: وما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سلمان: "أن رسول الله كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرضى لناس من أصحابه، أما تنتهي حتى تورث رجالا حب رجال، ورجالا بغض رجال، وحتى توقع اختلافا وفرقة؟ ... والله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر".

فرضي الله عنهم وأرضاهم كانوا أعلم الناس وأحرصهم على الجماعة، وأبعدهم عن الفرقة، يوصي بعضهم بعضا، وينبه وينصح بعضهم بعضا بذلك.


(١) كتاب ((الشريعة)) للآجري (٢/ ٨٤٢).
(٢) انظر ((جامع بيان العلم)) لابن عبد البر (٢/ ٩١١، ٩١٤).
(٣) واختلاف الصحابة هذا من اختلاف التنوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>