للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن مما أوصى به الصحابة ومن بعدهم لحسم مادة الاختلاف، والحد من انتشار الفرقة ما أوصوا به من هجر أصحاب البدع، والنهي عن مجالستهم ومحادثتهم بل حتى السلام عليهم. فهذا عمر بن الخطاب يضرب صبيغ بن عسل (١). لما بدأ يسأل أسئلة تثير الشبهة في نفوس الناس، ولا يكتفي عمر بضربه بل يأمر بهجره وعدم الجلوس معه تأديبا له ومنعا من انتشار شره بين الناس حتى أعلن توبته (٢).وكذلك يوصي ابن عباس بهجر القدرية فيقول: "لا تجالسهم ولا تكلمهم" (٣).ومن مواقف الصحابة رضي الله عنهم ومحاولتهم استدراك الخلاف واحتوائه قبل فشوه وانتشاره ما حصل في زمن عثمان رضي الله عنه ذلك أن حذيفة بن اليمان قدم عليه، وكان يغازي بأهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في قراءة القرآن، فلما رجع قال لعثمان: "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى". إذ بلغ اختلافهم أن كفر بعضهم بعضا، فاستشار عثمان الصحابة رضي الله عنه في أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف فكان ذلك (٤).

فرضي الله عنهم وأرضاهم، وأعاننا الله على السير بهداهم.

تنبيه:

لا يرد في الذهن أن سلامة الصحابة من الفرقة تعارض بما وقع بين الصحابة يوم الجمل وصفين، بل إن ما وقع يشهد لهم رضي الله عنهم بسلامتهم من الفرقة، وحرصهم رضي الله عنهم على إقامة الحق، واجتهادهم في ذلك.

فأما ما حدث في وقعة الجمل ومسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، والزبير ابن العوام وطلحة إلى البصرة إنما كان غرضهم في ذلك أمرين:


(١) هو: صبيغ بن عسل ويقال ابن سهل الحنظلي قدم المدينة زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وأعد له عراجين النخل فضربه به حتى دمى رأسه، وأقر له عطاءه. انظر الإصابة (٣/ ٢٥٨).
(٢) انظر ((الشريعة)) للآجري (١/ ٤٨١)، شرح أصول اعتقاد أهل ((السنة)) للالكائي (٤/ ٦٣٤)، ولقد نفع ذلك مع صبيع بن عسل إذ أنه دعي بعد ذلك إلى اللحاق بالخوارج الحرورية فرفض وقال: "هيهات! قد نفعني الله بموعظة الرجل الصالح"، يقصد تأديب عمر له. انظر: مصنف عبدالرازق (١١/ ٤٢٦)، ((التنبيه والرد)) للملطي (ص١٨١).
(٣) انظر كتاب ((الشريعة)) (٢/ ٨٧٥)، وانظر في هجر أهل البدع ((الشريعة)) (٥/ ٢٠٢٤، ٢٥٢٤، ٢٥٤٤).
(٤) انظر ((فتح الباري)) (٩/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>