للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - الصلح ولم الشمل وجمع كلمة المسلمين.٢ - الطلب بدم أمير المؤمنين عثمان بن عفان (١).وكان قصد علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصلح أيضا (٢).ولبيان ذلك نذكر ما دار بين القعقاع بن عمرو (٣) رضي الله عنه حينما أرسله علي رضي الله عنه إلى طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهما وهم في البصرة، حيث أرسله علي إليهم يدعوهم إلى الألفة والجماعة، يعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين فقال: "أي أماه ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس. فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها، فحضرا فقال القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت: إنما جئت للإصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك. قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن. قالا: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن. فقال: قتلتما قتلته من أهل البصرة وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة رجل، فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم، وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه – يعني أن الذي تريدونه من قتل عثمان مصلحة، ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها – وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله، فعلي أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان، وإنما أخر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم، فقالت عائشة رضي الله عنها: فماذا تقول أنت؟ قال: أقول إن هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وإدراك الثأر، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر كانت علامة شر وذهاب هذا الملك، فآثروا العافية ترزقونا، فكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا ... فقالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء (٤).والتقت الطائفتان قرب البصرة وهما على ما فارقا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فاطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين وباتوا بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، لأنهم علموا أن الفريقين اصطلحوا على دمائهم، وأن في اصطلاح الناس هلاكهم، فباتوا يتشاورون، وأجمعوا على أن نجاتهم في فرقة الطائفتين، فعزموا على أن يثيروا الحرب بين الطائفتين من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل (٥).


(١) انظر ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٣٠، ٢٣٩، ٢٤١).
(٢) انظر ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٣٤، ٢٣٥، ٢٣٨).
(٣) القعقاع بن عمرو التميمي،، أحد فرسان العرب وأبطالهم في الجاهلية والإسلام، له صحبه، شهد صفين مع علي رضي الله عنه، توفي نحو ٤٠هـ. انظر الإصابة (٣/ ٢٣٩) دار الفكر، ((الأعلام)) (٦/ ٤٨).
(٤) انظر ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٣٧).
(٥) المراد بهم قتلة عثمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>