للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس فيهم صحابي واحد، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فتهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلا، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر عليا فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا اللأمة وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدرا مقدورا وقامت الحرب على ساق وقدم (١).يقول ابن حزم رحمه الله: "أما أم المؤمنين والزبير وطلحة رضي الله عنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي، ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته، ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلما، ولم يكن نهوض علي إلى البصرة لقتالهم لكن موافقا لهم على ذلك ليقوي بهم، وتجتمع الكلمة على قتلة عثمان رضي الله عنه، وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم، فردعوا حتى خالطوا عسكر علي، فدفع أهله عن أنفسهم، وكل طائفة تظن ولا تشك أن الأخرى بدأتها بالقتال، فاختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه، والفسقة قتلة عثمان – لعنهم الله- لا يفترون من شب الحرب، وإضرامها فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها، ومقصدها مدافعة عن نفسها (٢).فالقتال وقع بقصد أهل الفتنة لا بقصد السابقين الأولين (٣). فرضي الله عنهم وأرضاهم. أما ما جرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم في صفين، فبين ابن حزم رحمه الله هذا الأمر حينما قال: إن ما حدث كان اجتهاد في الرأي من معاوية رضي الله عنه حيث أنه رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان من ولد عثمان، وله في ذلك مستند (٤)، وإنما أخطأ من تقديمه ذلك على البيعة فقط، فله أجر الاجتهاد في ذلك، ولا إثم عليه، فما حرم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجرين.

وأما علي رضي الله عنه فقاتل معاوية لامتناعه عن إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام وهو الإمام الواجبة طاعته.

وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه، وقاتل دونه فإنه يجب على الإمام أن يقاتله، وإن كان متأولا وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله، ولا بموجب له فسقا بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب الخير، فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة إمامته، وأنه صاحب الحق وأن له أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مأجورون أجرا واحدا.


(١) انظر ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٣٨، ٢٣٩). باختصار وتصرف، انظر الفتنة ووقعة الجمل رواية سيف بن عمر الضبي، جمع وتصنيف أحمد عرموش (ص١٤٥).
(٢) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) لأبي محمد بن حزم (٤/ ٢٣٨).
(٣) انظر ((منهاج السنة)) النبوية لابن تيمية (٦/ ٣٣٩)، وانظر تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل لأبي بكر الباقلاني (٥٥٣، ٥٥٧)
(٤) مستنده: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبدالرحمن بن سهل أخا عبدالله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت، وهو أخو المقتول وقال له: كبر ... كبر، وروى: الكبر الكبر، فسكت عبدالرحمن وتكلم محيصة وحويصة ابني مسعودن وهما ابنا عم المقتول لأنهما كانا أسن من أخيه، انظر ((الفصل)) (٤/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>