للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أن معاوية بايع عليا لقوي به على أخذ الحق من قتلة عثمان، فصح أن الاختلاف هو الذي أضعف يد علي عن إنفاذ الحق عليهم، ولولا ذلك لأنفذ الحق عليهم كما أنفذوه على قتلة عبدالله بن خباب إذ قدر على مطالبة قتلته. فعلي رضي الله عنه طلب حقه وقاتل عليه، وقد كان له تركه ليجمع كلمة المسلمين، ومن ترك حقه رغبة في حقن دماء المسلمين فقد أتى من الفضل بما لا وراء بعده، ومن قاتل عليه ولو أنه فلس فحقه طلب، ولا لوم عليه، بل هو مصيب في ذلك، وبالله التوفيق (١).

ثم ليعلم أن هذه الفتنة التي وقعت إنما هي بين بعض الصحابة رضي الله عنهم، وهم الذين اجتهدوا ورأوا أن الحق مع إحدى الطائفتين فلحق بها، أما أكثر الصحابة فاعتزلوا الفتنة. يقول الإمام محمد بن سيرين (٢) رحمه الله: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرات الألوف، فلم يحضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين (٣).ويقول الشعبي (٤) رحمه الله: "بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن" (٥).

فكان منهجهم رضي الله عنهم اعتزال الفتنة ولزوم البيت وترك القتال.


(١) انظر ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٤/ ٢٤٠ – ٢٤٤). باختصار وتصرف، وانظر كتاب الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم الأصبهاني (٣٦٤ – ٣٧١)، ((الفتاوى)) (٤/ ٢٦٨) ((البداية والنهاية)) (٨/ ٢٥٢ – ٢٧٧).
(٢) هو: محمد بن سيرين البصري، الأنصاري بالولاء، أبو بكر إمام وقته في علوم الدين بالبصرة، تابعي من أشراف الكتاب، اشتهر بالورع وتعبير الرؤيا، توفي سنة ١١٠هـ. انظر التهذيب (٩/ ٢١٤)، ((الأعلام)) (٦/ ١٥٤).
(٣) انظر ((البداية والنهاية)) (٧/ ٥٢).
(٤) هو: عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار، أبو عمر الهمداني الشعبي، كان فقيها عالما، توفي سنة ١٠٤هـ. انظر: السير (٤/ ٢٩٤)، الشذرات (١/ ١٢٦).
(٥) انظر ((تاريخ الطبري)) (٣/ ٦)، تحقيق ((مواقف الصحابة في الفتنة)) لمحمد أمحزون (٢/ ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>