للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع أن الأمر ليس كذلك. بل الحقيقة أن وصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بالله - بلا تكييف ولا تمثيل ليس من باب التشبيه والتجسيم في شيء بل هذا عين التنزيه والتوحيد والإيمان، لأن في ذلك تنزيه الله تعالى عن العيوب، والنواقص. ونفي الصفات تشبيه الله تعالى بالمخلوق بل المعدوم والممتنع حتى باعتراف أبي منصور إما الماتريدية (١).

لأن إثبات الصفات وفق منهج السلف إثبات الكمال لله تعالى ونفي كل عيب ونقص عنه سبحانه.

وإنما التشبيه أن يقال: علو الله تعالى كعلو خلقه؛ واستوائه، ونزوله وغضبه ورضاه وضحكه، وفرحه، ويده، ووجهه، وعينه كاستواء خلقه أو كنزوله وغضبه، ورضاه، وضحكه، وفرحه، ويده، ووجهه، وعينه.

ومذهب السلف بعيد عن التشبيه بل هو وسط بين طرفي النقيض لا علاقة له بالتعطيل ولا بالتمثيل فمذهبهم عين التنزيه البعيد عن التشبيه. قال شيخ الإسلام: "ومذهب سلف الأمة وأئمتها: أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي صفات الله تعالى - التي وصف بها نفسه - ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين، بل هو سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:١١] ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله ... ومذهب السلف بين مذهبين، وهدى بين ضلالين: إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات؛ فقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:١١] رد على أهل التشبيه والتمثيل. وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ رد على أهل النفي، والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى، والممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً" (٢).

وقد بين أئمة هذه الأمة حقيقة التشبيه المنفي عن الله وعن صفاته كما بينوا أن إثبات الصفات لله تعالى بلا تكييف ولا تمثيل ليس من باب التشبيه رداً على المعطلة، ونصوص الإمام أبي حنيفة حجة على الماتريدية.

وإليك أقوال بعض أئمة الإسلام غير أبي حنيفة:

١ - قال الإمام نعيم بن حماد (٢٢٨هـ) "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه".

٢ - وقال الإمام إسحاق بن راهويه: (٢٣٨هـ): "إنما التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال: كما قال الله تعالى: يد وسمع وبصر، ولا يقول كيف، ولا يقول مثل سمع ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً وهو كما قال الله تعالى في كتابه:


(١) انظر كتاب ((التوحيد)) للماتريدي (ص ٤٤، ٩٦)، مع غموض كلامه وتعقيده.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ١٩٥ - ١٩٦، ٢٦١) ((جلاء العينين)) (ص ٣٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>