للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في صفة الفرقة الناجية: ((هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).فهلا قال: من تمسك بالقرآن أو بدلالة القرآن أو بمفهوم القرآن أو بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال؟ وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم، وما يحدثه المتكلمون منكم؟ .. " انتهى كلام شيخ الإسلام (١).

وقال الإمام ابن ابي العز الحنفي: "ويجب أن يعلم أن المعنى الفاسد الكفري ليس هو ظاهر النص ولا مقتضاه، وأن من فهم ذلك فهو لقصور فهمه ونقص علمه وإذا كان قد قيل في قول بعض الناس:

وكم من عائب قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم

وقيل:

عليَّ نحتُ القوافي من مقاطعها ... وما عليَّ إذا لم تفهمِ البقرُ

فكيف يقال في قول الله الذي هو أصدق الكلام وأحسن الحديث، وهو الكتاب الذي أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير [هود: ١] إن حقيقة قولهم أن ظاهر القرآن والحديث هو الضلال وأنه ليس فيه ما يصلح من الاعتقاد، ولا فيه بيان التوحيد والتنزيه (٢).

هذا حقيقة قول المتأولين، والحق: أن مادل عليه القرآن فهو حق وما كان باطلاً لم يدل عليه والمنازعون يدعون دلالته على الباطل الذي يتعين صرفه. فيقال لهم: هذا الباب الذي فتحتموه - وإن كنتم تزعمون أنكم تنتصرون به على إخوانكم المؤمنين في مواضع قليلة خفية - فقد فتحتم عليكم باباً لأنواع المشركين والمبتدعين، ولا تقدرون على سده ... ".

ثم ذكر رحمه الله نتائج وخيمة:

منها: أن ذلك يستلزم أن لا نقر بشيء من معاني الكتاب والسنة. ومنها: أن القلوب تتخلى عن الجزم بشيء مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لا يوثق بأن الظاهر هو المراد، والتأويلات مضطربة، فيلزم عزل الكتاب والسنة عن الدلالة والإرشاد إلى ما أنبأ الله به العباد، والقرآن هو النبأ العظيم؛ وهذا فتح باب الزندقة نسأل الله تعالى العافية (٣).

ونكفتي به الآن في بيان ضرر هذه الشبهة وسيأتي مزيد إيضاح في الوجوه الآتية، إن شاء الله تعالى.

الوجه الثاني: أن نقول: إن أصحاب شبهة التشبيه - الذين ردوا نصوص الصفات أو حرفوها وعطلوا ما دلت عليه من صفات الله تعالى- لم يعرفوا حقيقة التشبيه المنفي عن الله تعالى وصفاته (٤)؛ فأتوا من سوء فهمهم.

كما أنهم لم يعرفوا حقيقة التنزيه، وحقيقة التوحيد. فأدخلوا في مفهوم التشبيه ما ليس منه، كما أنهم أدخلوا في مفهوم التنزيه والتوحيد ما ليس منهما (٥) فيسمون نفي الصفات توحيداً وتنزيهاً (٦) كالجهمية والفلاسفة والقرامطة (٧).حيث أدخلوا في التشبيه إثبات الصفات، وأدخلوا في التنزيه نفي الصفات، وظنوا أن هذا هو التوحيد بحجة أن إثبات الصفات لله تعالى يخالف التنزيه والتوحيد ويستلزم التشبيه (٨).


(١) ((الحموية)) (ص ٢٠ - ٢٣)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ١٥ - ٢٠)، و ((ضمن مجموعة الرسالة الكبرى)) (١/ ٤٣٢ - ٤٣٥)، وانظر أيضاً ((المراكشية)) (ص ٤٤)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ١٧١) و ((النفائس)) (ص ٩٥ - ٩٨)، تحقيق الفقى.
(٢) ((شرح الطحاوية)) (ص٢٣٥ - ٢٣٧)، وانظر ((درء التعارض)) (٥/ ٢٤٢ - ٢٤٣).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (ص٢٣٥ - ٢٣٧)، وانظر ((درء التعارض)) (٥/ ٢٤٢ - ٢٤٣)
(٤) انظر كتاب ((التوحيد)) لابن خزيمة (١/ ١٩٣).
(٥) انظر ((درء التعارض)) (٣/ ٤٣٨).
(٦) انظر ((درء التعارض)) (٣/ ٤٣٨).
(٧) انظر ((درء التعارض)) (٣/ ٤٣٨).
(٨) انظر ((ما حكى الإمام أحمد عن الجهم في الرد على الجهمية)) (ص ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>