للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:١١] ٣ - وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (٢٤١هـ) في جواب سؤال: من المشبهة؟ قال: "من قال: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، فقد شبه الله بخلقه" (١).قلت: إدخال نفي الصفات في مسمى التنزيه والتوحيد وجعل إثبات الصفات داخلاً في مسمى التشبيه ورمي من وصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم بالتجسيم والتشبيه هو عين عقيدة الجهم وأصحابه كما قال الإمام أحمد عن الجهم: ( ... ووجد ثلاث آيات من المتشابه قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:١١]، وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام:٢]، لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:١٠٣]، فبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافراً، وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشراً كثيراً، وتبعه على أقواله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية) (٢).

٤ - وقال الإمام الترمذي: "وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا: "قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال: كيف؟ " هكذا روى عن مالك وسفيان بن عيينة وعبدالله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمِرّوها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا التشبيه؛

وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: "اليد، والسمع، والبصر" فتأولت الجهمية هذه الآيات وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة".ثم ذكر كلام الإمام إسحاق بن راهويه الذي سقنا نصه آنفاً (٣).٥ - وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: "فتدبروا يا أولي الألباب ما نقوله في هذا الباب، في ذكر اليدين، كنحو قولنا في ذكر الوجه، والعينين تستيقنوا بهداية الله إياكم وشرحه جلّ وعلا صدورّكم للإيمان بصفات خالقنا وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق، والصواب، والعدل في هذا الجنس مذهُبنا مذهبُ أهلِ الآثارِ، ومُتَّبِعي السُّنَنِ، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة، إذ الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه" (٤).٦ - ٧ - وذكر الحافظ ابن حجر والشاه ولي الله كلام الإمام إسحاق بن راهويه المتقدم آنفاً، وكلام الإمام الترمذي الذي يمثل عقيدة أئمة الإسلام أمثال مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك وغيرهم في بيان حقيقة التشبيه وأن إثبات الصفات على منهج السلف ليس من التشبيه في شيء؛ وأقراه، وحققا أن التشبيه: أن يقال يد الله كيد خلقه ووجهه كوجه خلقه مثلاُ (٥).


(١) ((رواه الخلال في كتاب السنة)) انظر ((درء التعارض)) (٢/ ٣٢).
(٢) ((الرد على الجهمية)) (ص١٠٤ - ١٠٥) ((شذرات البلاتين)) (ص١٥ - ١٦).
(٣) ((سنن الترمذي)) (٣/ ٤١ - ٤٢)، و ((أقره الحافظ ابن حجر في الفتح)) (١٣/ ٤٠٧)، و ((الشاه ولي الله الحنفي في حجة الله البالغة)) (١/ ٦٣).
(٤) ((كتاب التوحيد)) لابن خزيمة (١/ ١٩٣).
(٥) ((فتح الباري)) (١٣/ ٤٠٧)، و ((حجة الله البالغة)) (١/ ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>