وانطِلاقًا مِن الحديثِ، المتَّفَقِ عَليهِ مِن حديثِ أبِي هُريرَةَ - رضي الله عنه - مرفُوعًا: «لَا تُشدُّ الرِّحالُ إلَّا إلَى ثلاثةِ مساجِدَ: المسجدِ الحرَامِ، ومَسجِدِي هذَا، والمسجدِ الأَقصَى»، فقَد أولَى العُلماءُ المُهتمُّونَ بهَذَا الجانبِ مِنَ العُلومِ هذِهِ الأَماكِنَ الثَّلاثةَ: مكَّةَ، والمَدِينَةَ، والقُدسَ اهتمَامًا خاصًّا، وكَانَت أكثرُ المؤَلَّفاتِ في كُتبِ الفَضائِلِ عن هذِهِ المُدنِ الثَّلاثِ.
ومِنَ الكُتبِ المُؤلَّفةِ في هذَا، كِتابُ (فَضائِلُ البَيتِ المُقدَّسِ) لأَبِي بكرٍ الخطيبِ الواسطيِّ، والَّذِي أملَاهُ علَى تلامِذتِهِ في منزِلِهِ ببيتِ المَقدِسِ عامَ ٤١٠ هـ. جمَعَ فِيهِ مِن فضائلِ هذِهِ المدينةِ المُبارَكةِ شيئًا غيرَ قلِيلٍ مِن نُصوصٍ مرفُوعةٍ، ومَوقُوفَةٍ، وحتَّى بعضَ الأَقوَالِ المأثُورَةِ عن بعضِ أهلِ الكِتابِ، والَّتِي يروِيهَا بعضُ أَفاضِلِ التَّابِعينَ، مِن أمثالِ: كعبِ الأحبَارِ، ووَهبِ بنِ مُنبِّهٍ، وأبِي عِمرَانَ الجُونيِّ، وسَعِيدِ بنِ المُسيَّبِ، وقتادةَ، وخالدِ بنِ مَعدَانَ، وغيرِهِم مِنَ التَّابعِينَ الأخيارِ، رحمَهُم اللهُ تعالَى.
أمَّا النُّصوصُ في فضَائلِ القُدسِ، إسلاميَّةً أَو إسرَائِيليَّةً، فقَد ذَكَرَ الإمامُ ابنُ القَيِّمِ في كتابِهِ (المنارُ المُنِيفُ) أنَّهُ لَم يَصحّ في فضائِلِ بيتِ المقدِسِ، مِن قسمِ المَرفُوعِ، إلَّا أربَعةُ أحادِيثَ. وأمَّا مَا ذكرَهُ الواسطيُّ في هذَا المؤلَّفِ مِن هذِهِ النُّصوصِ، فبالنَّظرِ فيهِ نجِدُ أنَّهُ روَى جُلَّهَا، إِن لَم يكُن كلَّهَا، بأسانيدَ تدُورُ بَينَ الضَّعفِ، والضَّعفِ الشَّديدِ، بَل وحتَّى الوَضعِ في بعضِ الأحَايِينِ.
وتتجلَّى أهميَّةُ هذَا الكتابِ في أنَّهُ مِن أوائِلِ المؤَلَّفاتِ في هذَا الموضُوعِ، لذَا، جعلَهُ العُلماءُ اللَّاحقونَ الَّذينَ كتَبُوا في هذَا الموضُوعِ عُمدةً لهُم، فأخذُوا عَنهُ، ورَوَوا مِن طريقِهِ جُلَّ الكِتابِ، كمَا فعلَ الضِّياءُ المقدسيُّ في (فضائلُ بيتِ المقدسِ)، وابنُ عساكرَ في (تاريخُ دمشقَ)، وابنُهُ في (الجامعُ المستَقصَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute