للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقديم فضيلة الشيخ / طارق عوض الله - حفظه الله تعالى -

فِي زمانٍ صارَت العنايةُ بكتبِ التراثِ فيه عملًا تِجاريًّا، يتنافسُ فِيهِ الباحثونَ عن المالِ، ومِن ثَمَّ تكثُرُ النشراتُ للكتابِ الواحدِ، وكلُّ نشرةٍ لا تمتازُ من سابقتِهَا إلَّا بمزيدٍ مِنَ التصحيفَاتِ والتحريفَاتِ، والزيادَةِ والنُّقصانِ، حتَّى صارَ الرُّجوعُ إلَى الأصولِ الخطيَّةِ للكتُبِ المحقَّقةِ أمرًا يتفاخرُ بِهِ تِجَّارُ الكُتبِ (ناشرُونَ، أَو زاعِمُو التحقيقِ)، ولَا تلمسُ لَهُ واقعًا في الأعمالِ المَنشورةِ، فهذَا يكتُبُ علَى طُرَّةِ الكتابِ: «مُحقَّقٌ علَى كذَا وكذَا نسخةً خطِّيَّةً»، أَو «يُطبعُ علَى كذَا نسخةً خطِّيَّةً لأولِ مرَّةٍ»، ونحوَ هذِهِ العباراتِ التِي تخلُو منَ الصِّدقِ، وليسَ الغرضُ مِنهَا إلَّا إبهارُ القارئِ ليُقدِمَ علَى شراءِ الكتابِ، وتمتلئَ خزائنُ هؤلاءِ التجارِ.

وآخرُونَ يتنافسُونَ في تصغيرِ حجمِ الكتابِ ليُسهِّلَ علَيهِم ذلكَ المنافسةَ علَى السعرِ، فتجدُ الكتابَ الواحدَ في عِدَّةِ طبعاتٍ، بعضُهَا كبيرُ الحجمِ في عِدَّةِ مجلداتٍ، وبعضُهَا الآخرُ صغيرُ الحجمِ جدًّا يكادُ يكونُ في مُجَلَّدةٍ، ومَا غرضُ هؤلاءِ التجارِ بهذَا الصنيعِ إلَّا تصغيرُ حجمِ الكتابِ لمزيدٍ مِنَ المكاسبِ الماديَّةِ، حتَّى ولو كانَ الكتابُ في صورتِهِ هذَه لا يصلحُ للقراءةِ ولَا المطالَعةِ، ولَيتَهم إِذ صنعُوا ذلكَ وجَّهُوا عنايتَهُم بخدمةِ هذِهِ الكتبِ مِن حيثُ التصحيحِ والضبطِ والتحقيقِ، لكِن للأسفِ! فمِثلُ هذِهِ الطبعاتِ لَا تمتازُ عن غيرِهَا إلَّا بمزيدٍ مِن سوءِ التصحيحِ والتحقيقِ.

وآخرونَ عَمِدُوا إلى أسالِيبَ أخرَى لإخراجِ الكتبِ وإبهارِ القارئِ، حتَّى يُخرجَ مَا في جَيبِهِ من المالِ بنَفسٍ راضيةٍ، وشغفٍ شديدٍ، حيثُ ملئُوا حواشِي

<<  <   >  >>