للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفصل الرابع

القدسُ في زَمَنِ المُصَنِّفِ

قالَ القاضِي مُجِيرُ الدِّينِ الحَنبَلِيُّ (ت: ٩٢٨ هـ) في كتَابِهِ (الأُنسُ الجَلِيل بِتَارِيخِ القُدسِ والخَلِيل):

«نُبذَةٌ يَسِيرةٌ ممَّا وَقَعَ بِبَيتِ المَقدِسِ مِنَ الحوادِثِ والأخبارِ في ذَلكَ ... الزَّمَانِ:

فَمِن ذلكَ، مَا وقعَ في شُهُورِ سنةِ ثمانٍ وتِسعينَ وثلاثِ مِئَةٍ، أنَّ الحاكمَ بِأَمرِ اللهِ أبَا عليٍّ المنصورَ بنَ العزيزِ الفَاطِمِيَّ خليفةَ مِصرَ أَمَرَ بتَخرِيبِ كنِيسَةِ القُمَامَةِ (١) مِن بَيتِ المَقدِسِ، وأَبَاحَ للعَامَّةِ مَا كَانَ بِهَا مِن أموَالٍ وأمتِعَةٍ وغَيرِ ذَلكَ؛ وَكَانَ ذَلكَ بسببِ مَا انتَهَى إِلَيهِ مِنَ الفِعلِ الذِي تَتَعاطَاهُ النَّصَارَى يومَ الفِصحِ مِنَ النَّارِ التِي يَحتَالُونَ بِهَا، بِحيثُ يتَوَهَّمُ الأَغمَارُ مِن جَهَلَتِهِم أَنَّهَا تنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وأَنَّهَا مَصبُوغَةٌ بِدُهنِ البَيلَسَانِ في خُيُوطِ الإِبرِيسَمِ الرِّفَاعِ المَدهونَةِ بالكِبرِيتِ وغَيرِهِ بالصَّنعَةِ اللَّطِيفَةِ التِي تَرُوجُ عَلَى العِظَامِ مِنهُم والعَوَامِّ، وهُم إِلَى الآنَ يَستعملونَهَا في القُمَامَةِ، ويُسَمَّى ذَلكَ عِندَهُم سَبتَ النُّورِ، وَيَقَعُ فِيهِ مِنَ المُنكَرِ بحُضُورِ المُسلِمِينَ مَا لَا يَحِلُّ سماعُهُ ولَا رُؤيَتُهُ،


(١) ذكر ابن خلدون في (تاريخه) (٢/ ٢١١ - ٢١٢) أن الروم لما أخذوا بدين المسيح - عليه السلام -، ودانوا بتعظيمه، ثم اختلف حال ملوك الروم في الأخذ بدين النصارى، إلى أن جاء قسطنطين، وتنصرت أمُّهُ هيلانةُ، وارتحلت إلى القدس في طلب الخشبة التي صُلب عليها المسيح بزعمهم، فأخبرها القساوسة بأنه رُمي بخشبته على الأرض، وأُلقي عليها القمامات والقاذورات، فاستخرجت الخشبة، وبنت مكان تلك القمامات كنيسة القمامة، كأنها على قبره، بزعمهم.

<<  <   >  >>