وَقَد قَدَّمنَا قَرِيبًا كَلَامَ ابنِ القَيِّمِ في أَنَّهُ لَم يَصِحَّ في الصَّخرَةِ حَدِيثٌ.
وَيَقُولُ شَيخُ الإسلَامِ ابنُ تَيمِيَةَ - رحمه الله -: «وَأَمّا الصَّخرَةُ فَلَم يُصَلّ عِندَهَا عُمَرُ - رضي الله عنه - وَلَا الصَّحَابَةُ، وَلَا كَانَ عَلَى عهدِ الخُلَفاءَ الرّاشِدِينَ عَلَيهَا قُبّةٌ، بَل كَانَت مَكشُوفَةً فَي خِلَافَةِ عُمرَ وعُثمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَيزِيدَ وَمَروَانَ، وَلَكن لَمّا تَوَلَّى ابنُهُ عَبدُ المَلِكِ الشَّامَ وَوَقَعَ بَينَهُ وبَينِ ابنِ الزُّبَيرِ الفِتنَةُ كَانَ النَّاسُ يَحُجُّونَ فَيجتَمِعُونَ بِابنِ الزُّبَيرِ، فأرَادَ عبدُ المَلِكِ أَن يَصرِفَ النَّاسَ عن ابنِ الزُّبَيرِ، فَبَنَى القُبَّةَ عَلَى الصَّخرَةِ، وكَسَاهَا في الشِّتَاءِ وَالصَّيفِ؛ لِيُرغِّبَ النَّاسَ في زِيَارَةِ بَيتِ المَقدِسِ، وَيَشتَغِلُوا بِذَلِكَ عن اجتِمَاعِهِم بِابنِ الزُّبَيرِ. وَأَمَّا أهلُ العِلمِ مِن الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ لهُم بِإحسَانٍ فَلَم يَكُونُوا يُعَظِّمُونَ الصَّخرَةَ؛ فَإنَّها قِبلَةٌ مَنسُوخَةٌ، كَمَا أنَّ يومَ السَّبتِ كَانَ عِيدًا في شَريعَةِ مُوسَى - عليه السلام - ثُمّ نُسخَ في شَريعَةِ مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِيَومِ الجُمُعَةِ، فَلَيسَ لِلمُسلِمِينَ أَن يَخُصُّوا يومَ السَّبتِ وَيومَ الأَحَدِ بِعِبَادَةٍ كَمَا تَفعَلُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَكَذلكَ الصَّخرةُ إِنَّمَا يُعَظِّمُهَا اليَهُودُ وَبَعضُ النَّصَارَى.
وَمَا يَذكُرُهُ بعضُ الجُهَّالِ فِيهَا مِن أَنّ هُناكَ أَثَرَ قَدَمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَثرَ عِمَامَتِهِ وَغَيرَ ذَلِكَ فَكُلُّهُ كَذِبٌ، وَأَكذبُ مِنهُ مَن يَظُنُّ أَنَّه مَوضِعُ قَدمِ الرَّبِّ. وَكَذَلكَ المكَانُ الذِي يُذكَرُ أَنَّه مَهدُ عِيسَى - عليه السلام - كَذِبٌ، وَإِنَّمَا كَان مَوضِعَ مَعمُودِيَّةِ النَّصَارَى. وَكَذَا مَن زَعَمَ أَنَّ هُنَاك الصِّرَاطَ وَالِميزَانَ، أَو أَنّ السُّورَ الذِي يُضرَبُ بِه بَينَ الجَنّةِ وَالنَّارِ هُو ذَلِكَ الحَائِطُ المَبنِيُّ شَرقِيِّ المَسجِدِ. وَكَذَلكَ تَعظِيمُ السِّلسِلَةِ أَو مَوضِعِهَا لَيسَ مَشرُوعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute