وحكي أن رجلاً من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام يسمى جياداً لما دخل مصر ورأى عجائبها آلى على نفسه أن لا يفارق ساحل النيل إلى منتهاه أو يموت. فسار ثلاثين سنة في العامر وثلاثين سنة في الخراب حتى انتهى إلى بحر أخضر فرأى النيل يشق ذلك البحر؛ وأنه ركب دابة هناك سخرها الله له فعدت به زماناً طويلاً وأنه وقع في أرض من حديد، جبالها وأشجارها من حديد. ثم وقع في أرض من نحاس، جبالها وأشجارها نحاس. ثم وقع في أرض من فضة جبالها وأشجارها فضة. ثم وقع في أرض من ذهب جبالها وأشجارها ذهب. وأنه انتهى في مسيره إلى سور مرتفع من ذهب، وفيه قبة عالية من ذهب ولها أربعة أبواب، والماء ينحدر من ذلك السور ويستقر في تلك القبة ثم يخرج من الأبواب الأربعة، فمنها ثلاثة تغيض في الأرض، والرابع يجري على وجه الأرض وهو النيل، والثلاثة سيحون وجيحون والفرات، وأنه أتاه ملك حسن الهيئة، فقال له: السلام عليك يا جايد، هذه الجنة. ثم قال له: إنه سيأتيك رزق من الجنة فلا تؤثر عليه شيئاً من الدنيا.
فبينما هو كذلك إذ أتاه عنقود من العنب فيه ثلاثة ألوان: لون كاللؤلؤ ولون كالزبرجد الأخضر ولون كالياقوت الأحمر. فقال له الملك: يا جايد هذا من حصرم الجنة، فأخذه جايد ورجع، فرأى شيخاً تحت شجرة من تفاح فحدثه وآنسه وقال له: يا جايد ألا تأكل من هذا التفاح؟ فقال: إن معي طعاماً من الجنة وإني لمستغن عن تفاحك. فقال له: صدقت يا جايد، إني لأعلم أنه من الجنة، وأعلم من أتاك به وهو أخي، وهذا التفاح أيضاً من الجنة. ولم يزل به ذلك الشيخ حتى أكل من التفاح وحين عض على التفاحة رأى ذلك الملك وهو يعض على أصبعه؛ ثم قال له: أتعرف هذا الشيخ؟ قال: لا، قال: هو والله الذي أخرج أباك آدم من الجنة، ولو قنعت بالعنقود الذي معك لأكل منه أهل الدنيا ما بقيت الدنيا ولم ينفد، وهو الآن