أعلم وفقنا الله وإياك أن بين مطلع الشمس ومغربها مدناً وبلاداً وأنهاراً لا تحصى كثرةً، ولا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى. ولكن نذكر منها ما ذكره فائدة واعتبار من البلاد المشهورة، ونضرب صفحاً عن ذكر ما ليس بمشهور، ولا اعتبار ولا فائدة في ذكره خوفاً من التطويل والسآمة، والله تعالى المستعان.
فنبتدئ أولاً بذكر بلاد المغرب إلى المشرق، ثم نعود إلى بلاد الجنوب وهي بلاد السودان، ثم نعود إلى بلاد الشمال وهي بلاد الروم والأفرنج والصقالبة وغيرهم، على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى: أرض المغرب أولها البحر المحيط، وهو بحر مظلم لم يسلكه أحد ولا يعلم سر ما خلفه. وبه جزائر عظيمة كثيرة عامرة يأتي ذكرها عند ذكر الجزائر، منها جزيرتان تسميان الخالدتين، على كل واحدة منهما صنم طوله مائة ذراع بالملكي، وفوق كل صنم منها صورة رجل من نحاس يشير بيده إلى خلف، أي: ما ورائي شيء ولا مسلك. والذي وضعهما وبناها لم يذكر له اسم.
فأول بلاد المغرب السوس الأقصى وهو إقليم كبير فيه مدن عظيمة أزلية وقرى متصلة وعمارات متقاربة، وبه أنواع الفواكه الجليلة المختلفة الألوان والطعوم، وبه قصب السكر الذي ليس على وجه الأرض مثله طولاً وغلظاً وحلاوة حتى قيل: إن طول العود الواحد يزيد على عشرة أشبار في الغالب، ودوره شبر،