للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرض مثلها؛ ولا في أقصى الدنيا كشكلها، يحمل منها إلى سائر الأقاليم في الزمن الحادث والقديم، وهي مزدحم الرجال ومحط الرحال ومقصد التجار من سائر القفار والبحار، والنيل يدخل إليها من كل جانب، من تحت أقبية إلى معمورها، ويدور بها وينقسم في دورها بصنعة عجيبة وحكمة غريبة، يتصل بعضها ببعض أحسن اتصال لأن عمارتها تشبه رقعة الشطرنج في المثال. وإحدى عجائب الدنيا فيها وهي المنارة التي لم ير مثلها في الجهات والأقطار، وبين المنارة والنيل ميل واحد وارتفاعه مائة ذراع بالشاشي لا بالساعدي، جملته مائتا قامة إلى القبة. ويقال إنه كان في أعلاها مرآة ترى فيها المراكب من مسيرة شهرة، وكان بالمرآة أعمال وحركات لحرق المراكب في البحر، إذا كان عدواً، بقوة شعاعها. فأرسل صاحب الروم يخدع صاحب مصر ويقول: إن الإسكندر قد كنز بأعلى المنارة كنزاً عظيماً من الجواهر واليواقيت واللعب والأحجار التي لا قيمة لها خوفاً عليها، فإن صدقت فبادر إلى استخراجه، وإن شككت فأنا أرسل لك مركباً موسوقاً من ذهب وفضة وقماش وأمتعة، ولا يقوم، ومكني من استخراجه ولك من الكنز ما تشاء. فانخدع لذلك وظنه حقاً فهدم القبة فلم يجد شيئاً مما ذكر، وفسد طلسم المرآة؛ ونقل أن هذه المنارة كانت وسط المدينة؛ وأن المدينة كانت سبع قصبات متوالية وإنما أكلها البحر ولم يبق منها إلا قصبة واحدة وهي المدينة الآن، وصارت المنارة في البحر لغلبة الماء على قصبة المنارة. ويقال إن مساجدها حصرت في وقت من الأوقات فكانت عشرين ألف مسجد.

<<  <   >  >>