المدائن: وهي مدينة قديمة جاهلية وبها آبار هائلة وبها إيوان كسرى المضروب به المثل في العظم والشماخة والارتفاع والإتقان، واقليمها يعرف بأرض بابل. وكان المنصور لما قصد أن يبني بغداد استشار خالد بن برمك في نقض الإيوان ونقله من المدائن إلى بغداد، فقال له خالد: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فقال له المنصور ملت إلى بقاء آثار أخوالك الفرس، لا بد من هدمه. وأمر المنصور بنقض القصر الأبيض، وهو شيء يسير من جانب الإيوان. فنقضت ناحية من القصر الأبيض فكان ما غرموا على نقضه أكثر من قيمة المنقوض فأزعج ذلك المنصور فقال لخالد: قد عزمت على ترك النقض، فقال له خالد: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فغضب المنصور وقال: أما والله إن أحد رأييك غش. فقال خالد بلى والله كلاهما نصح، فقال: صحح ما قلت، فقال: أما قولي في الأول: لا تنقض، حتى إن كل جيل يأتي في الدهر ويرى الإيوان ويستعظم أمره وأمر بانيه ثم يقول إن أمةً وملوكاً أزالت ملك الفرس وأخذت بلادها وأبادتها لأُمة عظيمة ولملوك عظيمة، فذلك من تعظيم الملة الإسلامية، وأما قولي الآخر: لا تفعل، يعني لا تترك النقض حتى إن من يأتي من الأجيال والخلق ويرى بعض النقض، والنقض أسهل من البنيان، فيقول إن أمة بنت