التفسرة، فما كان يعالج مريض دون النظر إلى قارورته، ولهم في نظرها آراء وعلامات يتعرفون منها حالة البول من صحة وسقم. ونحن نقص الحكاية الآتية للدلالة على مهارة الأطباء وقوة استدلالهم وحسن استنتاجهم من النظر في بول المريض:
أراد الرشيد أن يمتحن بختيشوع الطبيب، أمام جماعة من الأطباء فقال الرشيد لبعض الخدم: أحضره ماء دابة حتى تجربه. فمضى الخادم وأحضر قارورة الماء، فلما رآه قال: يا أمير المؤمنين ليس هذا بول إنسان. قال له أبو قريش وقد كان حاضرا: كذبت هذا ماء حظية الخليفة. فقال له بختيشوع: لك أقول أيها الشيخ الكريم، لم يبل هذا إنسان البتة، وإن كان الأمر على ما قلت فلعلها صارت بهيمة. فقال له الخليفة: من أين علمت أنه ليس ببول إنسان؟ قال بختيشوع: لأنه ليس له قوام بول الناس، ولا لونه، ولا ريحه، ثم التفت الخليفة إلى بختيشوع فقال له: ما ترى أن نطعم صاحب هذا الماء فقال: شعيرا جيدا. فضحك الرشيد ضحكا شديدا، وأمر فخلع عليه خلعة حسنة جليلة، ووهب له مالا وافرا، وقال: بختيشوع يكون رئيس الأطباء كلهم، وله يسمعون ويطيعون.