للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في نفي القول عن نفسه، ما أنا قلت هذا، الاختصاص الذي أفاده تقدم النفي وتقدم المسند إليه وكون الجملة الفعلية خبرًا عن المبتدأ هو نفي القول عن الذات، وهذا إنما يكون فيه إثباتٌ لغيره، إذًا له جهتان، ولذلك قال: إنما يختص نفي القول عنه إذا وقع على غيره، إذا إذ لو لم يقع على غيره لم يختص نفيه به، فالتقديم يفيد نفي الفعل عن المتكلِم وثبوته لغيره على الوجه الذي نُفِيَ عنه من العموم أو الخصوص، ولا يلزم ثبوته لجميع من سواه، يعني: إذا قلت: ما أنا قلت هذا. إذًا بل سوايَ، إذًا كل من سواه، لا، ليس المراد هذا، وإنما المراد به البعض على الوجه الذي نُفِيَ عن المتكلِم، لأن التخصيص إنما هو بالنسبة إلى من توهم المخاطب اشتراكه مع المتكلم أو انفراده به دونه، بخلاف لو قلت: ما قلتُ. ما قلتُ هذا فيه نفي فقط ليس فيه اختصاص النفي عنك وإثباته لغيرك، فإنه إنما يكون في شيءٍ لم يثبت أنه مقولٌ، ما قلت يعني: هذا يأتي في المناظرة أو المجادلة، لو قلتَ: ما قلتُ هذا. حينئذٍ ما الذي تُفيده هذه الجملة؟ تفيد أن هذا القول منفي لكنه لا يدل على أنه قد قيل، لكن قولك: ما أنا قلتُ هذا، هذا فيه إثباتٌ للقول، فرقٌ بين الجملتين، ما قلتً هذا. إذًا القول لم يقل من أصل، ليس فيه دلالة. لكن ما أنا قلتُ هذا. القول قد قيل به لكنه لم أقله أنا نفيت عن نفسي وأثبته لغيري، ففرقٌ بين الجملتين، بخلاف: ما قلتُ. فإنه إنما يكون في شيءٍ لم يثبت أنه مقول، وما أنا قلتُ هذا في شيءٍ ثبت أنه مقولٌ ولكن نفيته عن نفسي، فالتقدم هنا أفاد التخصيص، ونفي الحكم عن المذكور مع ثبوته لغيره.

وهذه المسألة فيها تفصيلات كثيرة جدًا في ((المطولات)) ترجعون إليها.

ثم ختم الباب بمسألة وهي أن جميع ما تقدم في هذا الباب من الأحوال المقتضية لاختلاف المسند إليه من الحذف والذكر .. إلى آخره هو مقتضى الظاهر، يعني: الكلام هنا كالكلام في أَضْرُبِ الخبر، أضرب الخبر عرفنا ابتدائي لا يؤكد، الطلبي مؤكد واحد استحسانًا يعني: وجوبًا أقل، الإنكاري وجبت.

ثم قد تتبدل وتتغير، يعني: يخرج الكلام على غير مقتضى الظاهر، هنا كذلك قد يقتضي الظاهر الحذف لكن تخالفه فتذكره، قد يقتضي المقام الذكر لكنك تحذفه، إذًا قد يؤتى بالكلام في الاعتبارات الماضية لا على وجهٍ، لكن لا بد من فائدة ونكتة.

ما سبق هو مقتضى الظاهر وقد يخرج الكلام على خلافه لنكتةٍ، ولذلك قال:

وَقَدْ عَلَى خِلاَفِ الظَّاهِرِ ... يَأْتِي كَالأُولَى وَالْتِفَاتٍ دَائِر

(وَقَدْ) تقليل أو تكثير؟ إن كان في نفسه فهو كثير، كثير جدًا ولذلك الغيب والالتفات كثير حتى في القرآن، وإن كان باعتبار ما جرى على وفق الظاهر فهو قليل، فالتقليل والتكثير هنا باعتبار المقابل، إن كان في نفسه فهو كثير، وإن كان بمقابلة ما سبق فهو قرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>