للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لو كان المراد اللفظين بعينهما لقال: واسمًا فلانعدام ذين، هذا الأصل لكن قال: (فَلاِنْعِدَامِ ذَا) أي: المذكور، ثم تفسر المذكور بشيئين يعني: المذكور يطلق على الاثنين والثلاثة وألف واضح؟ وكونه مسند (اسْمًا فَلاِنْعِدَامِ ذَا) المذكور من التقييد بالوقت وإفادة التجدد، فرجع إلى الأمرين، بأن يراد به بالاسم الدوام والثبات أو الثُبوت لأغراضٍ تتعلق بذلك. إذًا دلالة الاسم إذا وقع مسندًا فحينئذٍ يكون ماذا؟ دالاً على الثبوت، المراد بالثبوت وقوع الشيء بعد أن لم يكن، أو أنه ثابت؟ مرَّ معنا هذا، على أنه ثابت لماذا؟ لأن مدلول الاسم في الأصل ذات، والذات لا تتغير وإذا كان كذلك فحينئذٍ يكون ثابتًا، دلالةٌ أخرى الاستمرار هذا المراد بالدوام، الثبوت والاستمرار الثبوت والدوام، متغايران هي ليست كلمة واحدة، بخلاف التجدد والحدوث هذا بمعنًى واحد، وإن كان الحدوث قد يكون أعم لكن المراد به في هذا الموضع معنى واحد، إذا قلت الاسم يدل على الثبوت والدوام، الثبوت له مدلول والدوام له مدلول آخر، الثبوت هو ثابتٌ لكن لا يلزم منه الاستمرار، الدوام يدل على أنه مستمرٌ، وكون المسند (اسْمًا فَلاِنْعِدَامِ ذَا) المذكور من التقييد بالوقت وإفادة التجدد، بأن يراد به بالاسم إذا وقع مسندًا الدوام والثبوت لأغراضٍ تتعلق به، فالاسم يثبت به الشيءُ للشيء من غير اقتضاء أن يتجدد، ويحدث شيئًا فشيئًا فلا تعرض في زيدٍ أو في زيدٌ منطلقٌ بأكثر من إثبات الانطلاق فعلاً له، الاسم ليس له فائدة إلا إثبات الشيء بالشيء فقط، أنه أثبت له، لكن هل يدل على أنه متجددٌ؟ الجواب: لا. فلا تعرض في زيدٌ منطلقٌ لأكثر من إثباتٍ الانطلاق فعلاً له كما في قولك: زيدٌ طويل، وعمرٌو قصير. وأما الفعل فإنه يُقصد به أو فيه التجدد والحدوث، ومعنى زيدٌ ينطلق، ليس هو معنى زيدٌ منطلق، زيدٌ منطلق يعني: ثبت الانطلاق لزيدٍ، وزيدٌ ينطلق بمعنى أن ينطلق أثبت الانطلاق لزيد ومنه وقع وحصل والباقي مستمرٌ، فمعنى زيدٌ ينطلق أن الانطلاق يحصل له شيئًا فشيئًا وهو يزاوله، وعند البيانيين مثال عجيب جدًا: لا يألف الدرهم المضروب صرتنا لكن يمر عليها وهو منطلقُ. يعني: الدينار إذا جاء والدرهم لا يدخل الجيب، أو يدخل ولكنه لا يبقى. قوله: وهو منطلقٌ يعني: قال المرشدي - كلام جميل -: أن الانطلاق من الصرةِ ثابتٌ للدرهم دائمًا، بحيث لا يستقر في الصرةِ وقتًا ما، لا يستقر وقتًا ما، لماذا؟ لأنه ما جاء بفعلٍ يدل على زمنٍ، وإنما جاء بالاسم، والاسم الذي في الأصل لا يدل على الزمن، فلما أراد الشاعر دلالة اللفظ على هذا المعنى أبرز المسند في صورة الاسم حتى لا يتقيد بزمانٍ دون زمان، ولو قال: هو ينطلق، وهو ينطلق لدل على أنه استقر في صرته ثم حدث له الانطلاق، لا يألف الدرهم المضروب صرتنا. يعني: إذا جاءت الدراهم لكن يمر عليها وهو منطلقُ، بمعنى: أنه يدخل الجيب ولا يستقر فيخرج مباشرةً، لو قال: وهو ينطلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>