للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم لما وجب تقدير المفعول تعين أنه مراد، ومحذوفٌ من اللفظ لغرضٍ، لأن الغرض متعينٌ عند الحذف إذ لا يجوز الحذف إلا لشيءٍ معلوم، ثم لا يكون الحذف لشيءٍ معلوم إلا لنكتةٍ وفائدة، فإن لم يكن لنكتة أو فائدة وهذا الأصل فيه المنع، فأشار إلى بيانه تفسير الغرض بقوله: (وَالحَذْفُ لِلْبَيَانِ فِيما أُبْهِمَا). (الحَذْفُ) مبتدأ، في الذي أبهما الألف للإطلاق وهو (فِيما أُبْهِمَا) هذا خبر الحذف (لِلْبَيَانِ) متعلقٌ به (وَالحَذْفُ) أي: حذف المفعول به من اللفظ المقدر بعد قابلية المقام، أي: وجود القرينة فيكون للبيانِ (الحَذْفُ لِلْبَيَانِ فِيما) يعني: في الذي (أُبْهِمَا) الألف هذه للإطلاق، وعبارة السيوطي: والحذف فيما أبهما للبيانِ. والحذف في الذي أبهما للبيانِ، للبيان هو الخبر أليس كذلك؟ والحذف في المبهم أي: إن قصد البيان بعد الإبهام. يعني: يحذف المفعول به، ثم يأتي إبهامٌ، الإبهام من أين يأتي؟ يأتي من لفظِ الفعل نفسه عند قراءته، ولهذا قال: وهذا خاص بفعل المشيئة والإرادة، أن يكون القصد من بعد الإبهام من الحذف للمفعول يجيء البيان له، بأن يذكر ما يدل عليه فإن له وقعًا في النفس لم يحصل بذكره ابتداءً وذلك كما في فعل المشيئة والإرادة ونحوهما إذا وقعا شرطًا فإن الجواب يدل عليه نحو: قوله تعالى: {فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ} [الأنعام: ١٤٩]. لو شاء هدايتكم لهداكم، هدايتكم هو المفعول به، لو شاء هدايتكم أين الإبهام هنا؟ لو قرأ أو سمع {فَلَوْ شَاء} يذهب الذهن مذاهب شتى شاء ماذا؟ هدايتكم إماتتكم إحياءكم رزقكم موتكم، إذًا يذهب الذهن مذاهب شتى، فلما {لَهَدَاكُمْ} جاء تقدير المفعول به من أين علم؟ من الجواب {فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} أي: لو شاء هدايتكم، هدايتكم المفعول الذي حذف {لَهَدَاكُمْ} فإنه لما قال: {فَلَوْ شَاء} علم السامع أن هناك شيئًا علقت به المشيئة لكنه مبهم، ما هو الذي شاءه هذا مبهم، لما قال: ... {لَهَدَاكُمْ} علمنا أن المحذوف هنا مفعول به وهو ماذا؟ هدايتكم، ما الذي دل عليه؟ الجواب، جاء التقدير بعد الإبهام أليس كذلك؟ جاء التقدير بعد الإبهام فحصل إبهامٌ أولاً بـ {شَاء}، ثم جاء التقدير الذي أخذ من هدايتكم، فإذا جيء بجواب الشرط صار مبينًّا وهذا أوقع في النفس من ذكره ابتداءً مبينًا، لو قال لو شاء هدايتكم لهداكم هذا فيه بيان، وحينئذٍ لا يذهب الذهن ولا يذهب السمع في مذاهب شتى.

إذًا هذا الموضع الأول أنه

والحذف للبيان فيما أبهما

يعني: يأتي الحذف للبيان متى؟ في الذي أبهما ابتداءً وذلك يفهم من فعل المشيئة، أو لمجيء الذكر أو يكون الحذف لمجيء الذكر، أي: ذكر المفعول ثانيًا على وجهٍ يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه، يعني: دون ضميره، إظهارًا لكمال العناية بوقوعه عليه كقوله:

قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ ... دد والمجد والمكارم مِثْلاً

<<  <  ج: ص:  >  >>