(وَقَدِّمِ المَفْعُولَ) على الفعل، هنا أحوال تقديم المفعول على عامله، ... (أَوْ شَبِيهَهُ) يعني: شبيه ماذا؟ شبيه المفعول، الحالة قد تتقدم راكبًا جاء زيدٌ، تقدمت، قدم المفعول على الفعل عامله ليشمل الفعل وغيره، (أَوْ شَبِيهَهُ) أي: شبيه المفعول من الجار والمجرور والظرف والحال وما أشبه ذلك، لأجل ماذا؟ (رَدّاً) هذا مفعول أجله، (رَدّاً) أي: لأجل الرد ... (عَلَى مَنْ) أي: على الذي لم يُصب تعيينه، لم يُصب تعيين المفعول به، أي: تعيين المفعول كقولك: زيدًا عرفتُ. الأصل: عرفت زيدًا، زيدًا عرفت، هذا ترد به على من؟ على من اعتقد أنك عرفت إنسانًا واعتقد أنه غير زيد، عرفت إنسان أنت إنسان تعرف إنسانًا، هذا الأصل لا إشكال فيه، لكن لو اعتقد أنك تعرف عمرًا، وقد أخطأ فحينئذٍ تقول له: زيدًا عرفت لا غيره، لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد القصر والحصر، فحينئذٍ زيدًا عرفت أي: لا غيره، ترد به على من اعتقد أنك عرفت عمرًا لا زيد، واعتقد أنه غير زيدٍ وأصاب في الأول أنه إنسان دون الثاني أنه غير زيدٍ، ولهذا تقول: لتأكيد هذا الرد: زيدًا عرفت لا غيره. صح أم لا؟
نعم صح، لا غيره تأكيد، كيف يكون مؤكدًا؟
لأنه لو سكت قال زيدًا عرفت، بالمنطوق إثبات المعرفة لزيد، بالمفهوم نفي المعرفة عن غير زيد، لا غيره دل بالمنطوق ما دل عليه مفهوم السابق توافقا؟
توافقا، الأول دل على لا غيره بالمفهوم، والثاني دل عليه بالمنطوق، ولذلك صار توكيدًا، لما دل عليه مفهوم السابق.
وقد يكون لرد الخطأ فيه الاشتراك، كقولك: زيدًا عرفت. لمن اعتقد أنك عرفت زيدًا وعَمْرًا. زيدًا عرفت، إذًا زيدًا لا عَمْرًا، وتقول لتأكيده زيدًا عرفت وحده. صحيح زيدًا عرفته، لأنه اعتقد الشركة وأنت أردت الوحدة: زيدًا عرفت وحده. وهذا توكيدٌ للمفهوم الذي دل عليه التركيب السابق.
واعلم أن [تقديم المفعول ونحوه] تقديم المفعول ونحوِهِ يلزمه التخصيص غالبًا الذي ذكرناه سابقًا، أي: لا ينفك عن تقديم المفعول ونحوه في أكثر السور بشهادة الاستقراء وحكم الذوق، ولذلك قال السيوطي رحمه الله تعالى: لا يقال ما زيدًا ضربت ولا غيره. هذا فيه تناقض لأن قولك: ما زيدًا ضربت. أفاد ماذا؟ نفي الضرب عن زيدٍ وإثباته لغير زيد، فإذا قلت: ولا غيره نفيت الضرب عن غير زيدٍ وقد أثبته أولاً هذا يسمى ماذا؟ يسمى تناقضًا، ما زيدًا ضربت ولا غير. هذا لا يصح التركيب غلط لماذا؟ لكون فيه تناقضًا، تناقضًا بين ماذا؟ بكون نفيت ما أثبته أولاً، نفيت عن زيدٍ الضرب، مفهومه إثبات الضرب لغير زيدٍ، حينئذٍ لا يصح أن تقول: ولا غيره. بمعنى أنك لم تضرب غير زيد. لا يقال ما زيدًا ضربت ولا غيره. لأن التقديم يدل على وقوع الضرب على غير زيدٍ تحقيقًا لمعنى الاختصاص، وقولك: ولا غيره. ينفي ذلك فيتناقضان.