للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن تخصيص الشيء بالشيء الذي هو حقيقة القصر، إما أن يكون بحسب الحقيقة ونفس الأمر يعني بنفس في الواقع أنه خُصّ زيدٌ بكذا، بأن لا يتجاوزه إلى غيره أصلاً، لأن الأصل في كون الشيء اختص بشيء ما الذي يُفْهَم ويتبادر إلى الذهن أنه لا يتجاوزه إلى غيره، إن كان كذلك فهو الحقيقي، بمعنى أنه في نفس الأمر وحقيقة الأمر أنه عندما خُصَّ بهذا الوصف هذا الوصف لا يتجاوز زيدًا البتة، حينئذٍ يكون حقيقيًّا، إما أن يكون بحسب الحقيقة ونفس الأمر بألا يتجاوزه إلى غيره أصلاً وهو الحقيقي هذا الأول.

أو بحسب الإضافة والنسبة، بمعنى أنه خُصَّ زيد بوصف باعتبار وصف آخر لا مطلقًا، أو خُصَّ زيد بوصف باعتبار عمرو لا باعتبار كل الناس وإنما هو باعتبار شيء معين. إذا التخصيص شيء بشيء قد يكون مطلقًا من كل وجه ويكون في نفس الأمر [وقد يكون] وهذا الحقيقي. وقد يكون باعتبار شيء آخر يعني بملاحظة وصف آخر. لو قلت: مَا زَيْدٌ إِلا قَائِمٌ. يعني باعتبار القعود لا باعتبار كل الصفات، وإنما نظرت القيام مقابل للقعود، فزيد قائم لا قاعد فخصصته بوصف القيام هذا المراد بكون إضَافِيًّا أي نسبيًّا، أو بحسب الإضافة والنسبة إلى شيء آخر لئلا يتجاوزه إلى ذلك الشيء وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شيء آخر في الجملة وهو الإضافي، وهذا كقولك: ما زيد إلا قائم. بمعنى أنه يعني زيد لا يتجاوز القيام إلى القعود، أليس كذلك؟ إذا كان المقابل يظن أن زيدًا قائم أو قاعد قلت: مَا زَيْدٌ إِلا قَائِمٌ. كأنك نفيت جميع الصفات عن زيد وأثبت له القيام، هل هذا صحيح؟ لا، زيد له صفات متعددة لكن باعتبار كونه قائمًا أو قاعدًا خصصت زيد بالقيام هذا المراد بالإضافي، بمعنى أنه لا يتجاوزه أو لا يتجاوز القيام إلى القعود لا بمعنى أنه لا يتجاوز إلى صفة أخرى أصلاً هذا لا وجود له، لأنه ما من شيء موجود إلى وله عدة صفات. فالـ (حَقِيقِيٌ) حينئذٍ ما كان التخصيص فيه بحسب الحقيقة يعني بالفعل قد خُصَّ زيد بكذا واختص به ولا يتجاوزه إلى غيره البتة، حينئذٍ نقول: هذا تخصيص حقيقي بحيث لا يتجاوز المقصور ما قصر عليه إلى غيره، إذا لم يكن في البلد إلا عالم واحد ما زيد أو ما العالم إلا زيد، قصرت هنا زيد على العلم، إذا غيره ليس بعالم، إن كان كذلك فهو قصر حقيقيّ، وإن كان المرد أنه تمكن في العلم تقول: ما العالم إلا زيد. مع وجود غيره من العلماء وإنما كماله حينئذٍ صار إضافيًّا لأن القصر والتخصيص هنا باعتبار الكمال لا باعتبار وجود العلم لأن غيره مثله، حينئذٍ لو قلت: ما العالم إلا زيد وثَمَّ عمرو وبكر علماء، ماذا عنيت؟ عنيت الكمال، إذا هنا التخصيص إضافيّ وليس بنسبيّ. إذًا الحقيقي ما كان التخصيص فيه بحسب الحقيقة بحيث لا يتجاوز المقصور ما قصر عليه لغيره، والإضافي ما كان التخصيص فيه بحسب الإضافة إلى شيء آخر يعني بملاحظة وصف أو بملاحظة موصوف لا مطلقًا من كل وجه من حيث إثبات الصفة أو النفي عن الموصوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>