للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو في الاصطلاح عندهم طلب حصول شيء على سبيل المحبة (وَلَهُ الْمَوْضُوعُ ** لَيْتَ)، (وَلَهُ) متعلق بـ (المَوْضُوعُ)، و (لَيْتَ) هذا خبر، (المَوْضُوعُ) للتمني له الضمير يعود للتمني الموضوع له ليت، يعني التمني معنًى من المعاني، والعرب تراعي المعاني وتجعل لها ألفاظًا تدل عليها وهي الحروف في الأصل، ولذلك الأصل في وضع الحروف أن تدل على المعاني القائمة بالنفس، فالتمني له حرفه وهو ليت، والنهي له حرفه وهو لا، والنفي والترجي كل هذه معاني ولها حروف دالة عليها. إذًا (وَلَهُ) أي لهذا المعنى وهو طلب حصول شيء على سبيل المحبة (المَوْضُوعُ) أي اللفظ الموضوع له للتمني (لَيْتَ) أي وُضِعَ له هذا الحرف وحده، ليت هو الذي يدل على التمني، ولا يشترط إمكان الْمُتَمَنَّى بخلاف الْمُتَرَجَّى، الْمُتَرَجَّى أي الشيء الذي تعلق به الرجاء يُشترط أن يكون ممكنًا يعني غير مستحيل وممكن الوقوع، وأما التمني فلا، فالْمُتَمَنَّى لا يُشترط إمكان حصوله بل قد يتعلق التمني بشيء محال، بخلاف الْمُتَرَجَّى فإنه يُشترط إمكانه فيصح التمني (وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوُقُوعُ)، فيصح التمني كما قال الناظم هنا (وَلَهُ المَوْضُوعُ ** لَيْتَ) عرفنا التمني حقيقته، وعرفنا حرفه، وهو ليت، ثم ما الذي يُتَمَنَّى؟ ما هو الْمُتَمَنَّى؟ هل يُشترط فيه أن يكون شيئًا واقعًا، أو شيئًا يجوز أن يقع، أو لا بد أن يكون محالاً؟ قال: (وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوُقُوعُ) يعني يجوز أن يكون الْمُتَمَنَّى لشيء (وَإِنْ لَمْ يَكُنِ) وإن لم يحصل (الْوُقُوعُ) يعني شيئًا محالاً، فيتعلق الْمُتَمَنَّى أو التَّمَنِّي بشيء محال، أو بشيء غير ممكن، أو يصح أن يقال: (يَكُنِ) هنا على بابها (وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوُقُوعُ) ممكنًا فيكون الخبر محذوفًا يجوز الوجهان، تكون كانت هنا تامة، ويجوز أن تكون ناقصة. إذًا لا يُشترط إمكان الْمُتَمَنَّى هذا القاعدة، بخلاف الْمُتَرَجَّى فإنه يُشترط إمكانه فيصح الْمُتَمَنَّى أو التمني وإن لم يكن الوقوع وكان تامة هنا أو ناقصة والتقدير وإن لم يكن الوقوع ممكنًا بل محالاً وقعه، لأن الإنسان كثيرًا ما يحب المحال ويطلبه، ولا يمتنع تمني الممكن إذا لم يكن توقع وطمع في حصوله لعدم الأسباب الموجبة ووجود الأسباب المانعة إذ لو توقعت وطَمِعْتَ لاستعملت كلمة لعل في الأول وعسى في الثاني.

إذًا الأصل في الْمُتَمَنَّى أن يكون محالاً، وإذا كان ممكنًا فحينئذٍ هو على أمرين:

إما أن يتوقع وقوعه أو لا.

الثاني: يجوز تعلق التمني به والأول لا.

ولذلك قال: ولا يمتنع تمني الممكن، متى؟ إذا لم يكن توقع وطمع في حصوله، إما لعدم الأسباب الموجبة ووجود الأسباب المانعة إذ لو توقعت الممكن وطمعت فيه حينئذٍ تستعمل كلمة ليت في التوقع، إذا كان الممكن متوقعًا حينئذٍ لا يكون التمني متعلقًا به، وإنما يكون بـ لعل، وإذا كان الثاني الذي هو الطمع فحينئذٍ يؤتى به بـ عسى، إذًا عسى للشيء الذي طُمِعَ في وجوده مع إمكانه، ولَعَلَّ للشيء الذي توقع وقوعه مع إمكانه، فإن كان ممكنًا ولم يتعلق به طمع ولا توقع حينئذٍ صح التمني ودخول ليت عليه، فالمحال مثل قول الشيخ الهرم:

<<  <  ج: ص:  >  >>