للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد يليها غير الْمُشَبَّه به لكنه ليس هو المطرد، المطرد أن يلي الكاف الْمُشَبَّه به، وقد لا يليها كقوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} [الكهف: ٤٥] مثل الحياة الدنيا كماء، هل الْمُشَبَّه به الماء؟ لا، ليس الْمُشَبَّه به الماء. إذًا دخلت على غير الْمُشَبَّه به، إذ ليس الماد تشبيه حال الدنيا بالماء ولا بغيره، يعني ولا بمفردٍ آخر يحتمل تقديره، بل المراد تشبيه حالها في نظرتها وبهجتها وما يعقبها من الهلاك والفناء بحال النبات الحاصل من الماء، يكون أخضرًا ناضرًا شديد الخضرة ثم ييبس فَتُطَيِّرَهُ الرياح كأن لم تكن، إذًا هيئة منتزعة بهيئةٍ منتزعة حينئذٍ {كَمَاء} ليس الماء الْمُشَبَّه به، وليس ثَمَّ مفرد آخر يمكن تقديره في المحل، وإنما المراد به تشبيه الدنيا في هيئتها وحالها وما تؤول إليه بالنبات الذي يكون بالماء، ثم ينبت، ثم يصفر، ثُمَّ ثُمَّ .. إلى آخره، فشبه حالةٍ بحالة. فـ (الْكَافُ أَوْ كَأَنَّ أَوْ كَمِثْلِ ** أدَاتُهُ) كما قال الناظم هنا. (وَالْكَافُ) (أدَاتُهُ) كاف مبتدأ و (أدَاتُهُ) خبر، ويمكن العكس، (أدَاتُهُ) مبتدأ (وَالْكَافُ) خبر، إذا جعلنا الكاف مبتدأ حينئذٍ والكاف وما عطف عليه أداته، من أجل أن يصح المعنى، لأن (أدَاتُهُ) ليس الكاف فحسب وإنما ما عُطِفَ عليه داخلٌ فيها، الكاف وما عطف عليه خبرٌ المبتدأ، فالكاف أداته أي أداة التشبيه أي آلته التي يُتَوَصَّلُ بها حرفًا كانت أو اسمًا أو فعلاً، ولذلك عبر بالأداة الشاملة للأنواع الثلاثة، الفعل ليس في الكاف، وإنما المراد به قد يكون أداة التشبيه اسمًا أو فعلاً أو حرفًا. ولذلك قال هنا: (وَقَدْ بِذِكْرِ الْفِعْلِ)، (وَقَدْ بِذِكْرِ الْفِعْلِ) يعني قد يكون أو يقع التشبيه بالفعل، وقد يكون التشبيه بذكر الفعل، يعني بذكر فعلٍ ينطق به يُنْبِئُ هذا الفعل عن التشبيه، فيستغنى به عن الأداة. (وَقَدْ بِذِكْرِ الْفِعْلِ) قد للتقليل هنا، يعني وقد يكون التشبيه لا بالأداة وإنما بذكر فعل يُستغنى بذكر الفعل عن الأداة، لكنه تختلف مادته، يعني مادة الفعل بحسب قرب الشبه وبعده، فإن كان الشبه قريبًا جيء بـ (علمت)، وإن كان الشبه بعيدًا جيء بـ (حَسِبْتُ)، فـ (علمت) للشبه القريب، و (حَسِبْتُ) للشبه البعيد، فيأتي في التشبيه القريب بنحو علمت زيدًا أسدًا. لو قال: علمت زيدًا أسدًا في معنى التشبيه أو لا؟ علمت زيدًا أسدًا؟ لا يمكن أن يكون المراد علمت زيدًا أسدًا يعني حيوان مفترس؟ يمكن؟ لا يمكن. إذا فيه تشبيه قطعًا، إذا امتنع أن يُحْمَل زيدٌ على أنه الحيوان المفترس الهيئة المخصوصة الجثة إذًا لا بد من وقوع التشبيه، أين أداة التشبيه؟ ليس عندنا أداة، قالوا: الفعل هنا أغنى عن ذكر أداة التشبيه، ثم هذا التشبيه قريب، ولذلك استعمل في عَلِم الدال على اليقين، علمتُ زيدًا أسدًا الدال على التحقيق، وفي البعيد التشبيه البعيد حَسِبْتُ زيدًا أسدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>