فإنه لما ادَّعَى أن الممدوح فاق الناس حتى صار أصلاً برأسه وجنسًا بنفسه، فإن تَفُقِ الأنام وأنت منهم يعني كونك فائق الأنام قد خرجت عنهم، كأنك لست بإنسان كأنك ملك، هل هذا ممكن أو لا؟ قد يتبادر الذهن أنه غير ممكن، وكان هذا في الظاهر كالممتنع احتد لهذه الدعوة وبين إمكانها بأن شبه هذه الحال بحال المسك، المسك ما أصله، أصله الدم، إذًا خرج المسك من الدم، إذًا أصله الدم، ثم هو ليس بدمٍ، إذًا أنت خرجت عن الناس وأصلك من الناس وأنت لست من الناس، كما أن المسك بعض دم الغزال، بحال المسك الذي هو من الدماء، ثُمَّ إنه لا يُعَدُّ من الدماء، هو من الدماء باعتبار الأصل، ثُمَّ هو الآن بحاله ووضعه ورائحته ولونه وجماله ليس من الدماء، إذًا أنت فقت الناس وأنت منهم في الأصل لكنك لست منهم، لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا توجد في الدم والتشريف فيه ضمني لا صريح. إذًا المراد هنا بالتشبيه بيان إمكان وجوده، بأن يكون أَمْرًا غَرِيبًا يمكن أن يخالف فيه.
ثانيها: بيان حال [الْمُشَبَّه به](١) الْمُشَبَّه - الكلام في الْمُشَبَّه - بيان حال الْمُشَبَّه بأنه على أي وصف من الأوصاف كما في تشبيه ثوب بآخر في السواد، إذا علم السامع لون الْمُشَبَّه به دون الْمُشَبَّه، حين يسأل عن ثوب ما، ما لونه؟ فتقول: هذا الثوب كذا، مثل ذاك الثوب في لونه. إذًا بان حاله وانكشف حاله.
ثالثها: بيان قدر حال الْمُشَبَّه.
الأول يتعلق بماذا؟ بحاله، الثاني: قدر حال الْمُشَبَّه في القوة والضعف والزيادة والنقصان كما في تشبيه الثوب الأسود بالغراب، في ماذا؟ في شدة السواد، هو أسود يعلم أنه أسود لكن ما قوته وضعفه؟ قال: كالغراب. إذًا في شدة سواده رابعها: تقرير حال الْمُشَبَّه في نفس السامع وتقوية شأنه، كما في تشبيه من لا يَحْصُلُ من سعيه أو يُحَصِّلُ من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء الذي يسعى ويسعى ولا يحصل شيء، كالراقم على الماء كالذي يكتب على الماء. قالوا: هذا يُبَيِّن ماذا؟ يقرر حال الْمُشَبَّه في نفس السامع.
خامسها وسادسها: قصد تشويه الْمُشَبَّه أو تقبيحه في عين السامع أو العكس، تزينه من أجل أن يرغب فيه، زيد كالأسد، زيد كالحمار. الأول للأول، والثاني للثاني.
سابعها: قصد استظرافه كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب، ووجه ظرافته وإبرازه في صورة ممتنع عادة، فحم فيه جمر يَلْهَب. قالوا: شبه هذا بماذا؟ ببحر من مسك موجه الذهب، هذا فيه ظرافة فقط يعني من باب المزاح. هذا أكثر ما يُذْكَر في بيان الغرض في الْمُشَبَّه، يعني التشبيه في الْمُشَبَّه.
(أَوْ عَلَى مُشَبَّهٍ بِهِ) أو يعود العرض في التشبيه على الْمُشَبَّه بِهِ، على قلة، والأول هو الأغلب والأكثر. ومرجعه أمران: يعني السبب أو الغرض أو الهدف أمران: