لذلك قال:(مُرْسَلاً). يعني مطلقًا لعدم تقييده بعلامة واحدة، والمجاز المرسل المفرد مع علاقته المصححة له، لا بد من علاقة تصحح واضحة مما سبق غير المشابهة، غير المشابهة يدخل تحته أربع وعشرون نوعًا لن نأخذها كلها، أربعًا وعشرون نوعًا يعني محصورة. العلاقات محصورة، غير المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي. إذًا المجاز المرسل مجاز مفرد علاقته غير مشابهة معناه لما هو موضوع له، والعلاقات أنواع أنهاها بعضهم إلى أربعة وعشرين نوعًا، منها - بعضها - من للتبعيض استعمال الجزء في الكل، يعني يطلق الجزء ويراد به الكل، الجزء مدلوله جزء، والكل مدلوله الكلّ، فإذا أُطلق الجزء مرادٌ به الكل حينئذٍ نقول: هذا استعمل اللفظ في غير ما وضع له، استعمال الجزء في الكل إذا كان له مزيد اختصاص بالمعنى الذي قُصِدَ بالكلّ كإطلاق العين على الربيئة يعني الرقيب، وهي جزؤه، يعني الجاسوس يقال عين، العين جزء والجاسوس كلّ، فسُمِّيَ الجاسوس عينًا إطلاق الجزء على الكل نقول: هذا مجاز. وعكسه وهو استعمال الكل في الجزء، استعمال الكل مرادًا به الجزء {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ}[البقرة: ١٩]{أَصَابِعَهُمْ} الأصبع هو هذا كله هذا الأصبع {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} المراد به أنامل أصابعهم. إذًا أطلق الكل وأراد به الجزء، سُمِّيَ الأنامل التي هي رؤوس الأصابع بالأصابع، يعني سَمَّى الأنامل بالأصابع، ومنه:«قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين». الصلاة المراد بها الفاتحة التي هي جزء الصلاة لأنها ركن، وهذه من الأدلة على أن الفاتحة ركن لأن العرب لا تُطْلِق الكل مرادًا به الجزء إلا إذا كان فوات الجزء يَفُوتُ بِهِ الكلّ «قسمت الصلاة». إذًا المراد به بالصلاة هنا الفاتحة هذا يدل على ماذا؟ على أن الصلاة توجد بالفاتحة وبغيرها من الأركان وتفوت الصلاة بفوات الفاتحة، يدل على ماذا؟ على أنها ركن، ومنه فيما استدل به ابن القيم على أن تارك الصلاة يعتبر كافرًا {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة: ١٤٣] الإيمان صلاة وزيادة، فأطلق الكل على الجزء الذي هو الصلاة ليدل على أن فوات الجزء يترتب عليه فوات الكلّ، ففوات الصلاة يترتب عليه فوات الإيمان كما أن الفاتحة هنا فواتها يترتب عليه فوات الصلاة، وهذا جيد. إذًا استعمال أو إطلاق [الكل الجزء مرادًا به](١) الكل مرادًا به الجزء.
ومنها من العلاقات تسمية الشيء باسم آلته مثل ماذا؟ نحو قوله تعالى:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ}[الشعراء: ٨٤]. أي الثناء الحسن. والثناء إنما يكون بماذا؟ باللسان، فأطلق اللسان الذي هو آلة وأراد به الثناء.
ومنها تسمية الشيء باسم سببه نحو: رَعَيْنَا الْغَيْثَ. المراد به النبات، الغَيْث سبب للنبات فأطلق السبب وأراد به الْمُسَبَّب هذا يسمى مجازًا.
ومنها تسمية الشيء باسم مسببه عكسه أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ نَبَاتًا، أي مطرًا.