للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستعارة بالكناية حقيقتها أن يُضْمِرَ التشبيه في النفس، فلا يُصَرِّحُ، يعني الْمُضْمِر بشيءٍ من أركانه سوى المشبه، الأركان أربعة كلها تحذف إلا المشبه، هو الذي يُنطق به، ثم يدل على ذلك التشبيه المضمَر في النفس بأن يُثْبَتَ للمشبه أمر مختصٌ بالمشبه به، يعني يضيف على الْمُشَبَّه لفظًا، هذا اللفظ من خصائص المشبه به، إذًا دل على المشبه به بذكر لازمٍ له، بأن يُثبت للمشبه أمرٌ مختصٌ بالمشبه به فيسمى ذلك التشبيه المضمر استعارةً بالكناية، ومكنيًا عنها لماذا؟ لأنه لم يصرح به، بل دل عليه بذكر خواصه، ويسمى إثبات ذلك الأمر المختص بالمشبه به بالمشبه استعارةً تخييلية فهي داخلةُ فيها، لأنه قد أستعير للمشبه ذلك الأمر المختص بالمشبه به، وبه يكون كمال المشبه به وقوامه في وجه الشبه لتخيل أن المشبه من جنس المشبه به، مثاله ليتضح: أنشبتُ المنيةُ أظفارها. شبه المنية بالسبع في الاغتيال، السبع يغتال بدون استئذان، والمنية تغتال كذلك بدون استئذان، السبع لا يفرق بين ضارٍ ونافع يغتال الفاسق ويغتال الصالح، كذلك المنية لا تفرق فشبه المنية بالسبع وأضمر التشبيه في نفسه وحذف الأداة والمشبه به وذكر ماذا؟ المشبه، المنية هي المشبه، أنشت المنية أظفارها، المنية لها أظفار؟ الجواب: لا، الأظفار هذه من أين جاءت؟ من لوازم وخصائص المشبه به، يعني حذف لفظ الأسد وذكر في اللفظ ما هو من خصائصه، التشبيه نفسه، تشبيه المنية بالسبع مع حذف السبع وأداته يسمى استعارة بالكناية، إثبات لفظ الأظفار للمشبه يُسمى تخييلية، فاجتمع كالأصلية والتبعية، شبَّه في نفسه المنية بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة من غير تفرقةٍ بين نفاعٍ وضرار كلٌ منهما لا يفرق، فأثبت لها الأظفار التي لا يكمل ذلك الاغتيال في السبع بدونها تحقيقًا للمبالغة في التشبيه، فتشبيه المنية بالسبع استعارةٌ بالكناية، وإثبات الأظفار لها تخييلية، وكلٌ من لفظي الأظفار والمنية هل هو مستعملٌ في ما وُضع له في لسان العرب أو لا؟ المنية المراد به الموت، إذًا استعمل فيما وُضع له لسان العرب، والأظفار كذلك استعمل فيما وُضع له في لسان العرب، وكلٌ من لفظي الأظفار والمنية حقيقةٌ مستعملةٌ في معناها الموضوع له، فلذلك هي عند صاحب ((التلخيص)) حقيقتان لغويتان غير داخلتين في قسم المجاز، يعني الاستعارة بالكناية عند صاحب ((التلخيص)) حقيقةٌ لغوية، لأن المنية استعملت في ماذا؟ في معناها الأصلي، وكذلك الأظفار بمعناه الأصلي، إذا قلت: زيد كالأسد حقيقة أو مجاز؟ زيدٌ كالأسد

حقيقة تشبيه الأصل فيه، وما ذُكر التشبيه إلا لأنه أضمر فيه الاستعارة، إذًا زيدٌ كالأسد هذا مثل أنشبت المنية أظفارها.

وبعد أن فرغ الناظم من الكلام على المقصد الثاني وهو المجاز، شرع في الكلام على المقصد الثالث وهو الكناية، وبه خاتمة فن البيان، وهي في اللغة مصدر كنيت بكذا عن كذا كونًا إذا تركت التصريح به، وهي في الاصطلاح تُطلق على معنيين يعني لها استعمالان عند البيانيين:

<<  <  ج: ص:  >  >>