للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذًا الْمَلَكَة تحصل بالملازمة والممارسة ولهذا قيل: مَلَكَة. ولم يقل صفة كما عَبَّر صاحب ((الإيضاح)) حتى لا يكون الْمُعَبِّر عن المقصود بلفظ بليغ بليغًا إلا إذا كان الصفة التي اقتدر بها عن التعبير عن المقصود بلفظ بليغ راسخة فيه، راسخة يعني صارت لازمة فيه، كما نقول: من صفات الإنسان النوم، فهي صفة راسخة فيه، وكذلك الضحك وكذلك الصفات الخاصة به، كذلك الْمَلَكَة على النطق أو الكلام البليغ تكون راسخةً، مَلَكَة أي: هيئة راسخة في النفس أو قل: صفة راسخة في النفس احترازًا عمَّا إذا تكلم بكلام بليغ ولم تكن له صفة راسخة فلا يُعَدُّ المتكلم بليغًا، وأما الكلام فيوصف، الكلام في المتكلم، يُقْتَدَرُ بها إشارة إلى مَلَكَة، ويقتدر عَبَّر بـ (يقتدر) إشارة إلى أن يُسَمَّى بليغًا حال النطق وعدمه، لأننا قلنا: البليغ هو المتكلم بالكلام البليغ، تكلم .. تَكلم .. تكلم كلامًا وهو بليغ، إذا سكت هل يوصف بالبلاغة أم لا؟ هل يوصف بكونه بليغًا أم لا؟ نقول: نعم، لأن المراد هنا لو أراد إنشاء كلام بليغ حينئذٍ صار بليغًا، حينئذٍ يوصف بالبلاغة بالفعل وبالقوة، بالفعل إذا كان يتكلم بكلام بليغ وكان له الْمَلَكَة، وإذا لم يكن مُتَكَلِّمًا بكلام بل كان ساكتًا حينئذٍ نقول: هذا بليغ. يوصف بكونه بليغًا لكن بالقوة، كما ذكرنا في الضاحك وفي غيره. إذًا إشارة إلى أنه يسمى بليغًا حال النطق وعدمه.

والحاصل مما سبق، إذًا عرفنا أن المتكلم يُوصف بالبلاغة وأنها مَلَكَة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ، يتقرر من هذا من التعريفين السابقين أن الذي يوصف بالبلاغة أمران:

الكلام وعرفنا حده بقوله: (وَإِنْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْحَالِ فَهْوَ الْبَلِيغُ).

والمتكلم وعرفنا حدَّه على ما ذكره الناظم (وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) يعني: فهو بليغ (الَّذِي يُؤَلِّفُهْ) فهو بليغ، والتعبير هذا فيه شيء من القصور.

ثم عاد وبقي له ثالث مما يوصف بالفصاحة، لأنه ذكر فصاحة المفرد، وفصاحة الكلام، وبقي عليه فصاحة المتكلم، فبقي عليه شيء ثالث ... مما يوصف بالفصاحة وهو المتكلم فقال: (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ تَصِفُهْ ... [نَصِفُهْ]) نسختان (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ [نَصِفُهْ] تَصِفُهْ) وهذا فصاحة المتكلم، يعني: يوصف المتكلم بكونه فصيحًا، (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ)، (يُعَبِّرْ) هذا فعل مضارع مأخوذ من العبارة، والعبارة عند أرباب المعاجم هي الكلام الذي يبين ما في النفس من معانٍ، إذًا العبارة والجملة متقاربان، الكلام الذي يبين ما في النفس من معانٍ يقال هذا الكلام عبارة عن كذا، قوله: (وَبِالْفَصِيح). هذا متعلق بقوله: (يُعَبِّرْ) أو لا؟

[نَصِفُهْ] طيب يعبر بماذا؟

..

<<  <  ج: ص:  >  >>