للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا كذب، والاعتقاد لا عبرة به البتة، إذًا فالخبر ينحصر في الصادق والكاذب ولا واسط بينهما على الصحيح، فقد أجمعوا على أن من قال: محمدٌ ليس بنبي. أنه كاذب ولو وافق اعتقاده، وأجمعوا على من قال: الإسلام حقٌ أنه صادق، ولو خالف اعتقاده. هو يعتقد أن الإسلام ليس بحق وقال: الإسلام حقٌ. حينئذٍ نقول: هذا صادقٌ ولا عبرة باعتقاده. واستدل بعضهم بحديث «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار». دلَّ على انقسام الكذب إلى مُتَعَمَّدٍ وغيره. وقال السبكي: وقد استنبطتُ من القرآن دليلاً أصرح من الجميع وهو قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} [النحل: ٣٩]. مع أنهم تكلموا بما يعتقدون فحَكَمَ الله عز وجل بأنهم كاذبون، مع أنهم أخبروا بما يعتقدون ووصفهم الله تعالى بالكذب لانتفاء مطابقة كلامهم للواقع {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ}.

إذًا نقول: انحصر الخبر في الصادق والكاذب ولا واسطة بينهما البتة، وأما قوله تعالى وهو ما تمسك به البعض بإثبات الواسطة {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] كَذَّبَهُم في ماذا؟ في قولهم: ... {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] وهذا طابَق الواقع أو لا؟ {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} طابَق أو لا؟

طابَق الواقع مع ذلك الله عز وجل قال: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}، واضح الاعتراض؟ كذبهم في ماذا؟ قالوا: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}. وقلنا: من قال الإسلام حقٌ ولو اعتقد أنه باطل قلنا هذا صادق لأنه طابَق الواقع، فالعبرة بمدلول اللفظ حكم اللفظ مع الواقع، مع ما في نفس الأمر، وأما اعتقاده فهذا لا يعتبر، يعني: ليس مؤثرًا في الصدق والكذب، وهنا قال المنافقون: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}. قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}. أُجِيبُ: أن المعنى نشهد شهادةً واقعت فيها قلوبنا ألسنتنا، فالتكذيب للشهادة لا للمشهود به، ... {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} كاذبون في ماذا؟ في الشهادة لأنهم قالوا: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}. ادَّعُوا الشهادة والشهادة لا تكون إلا بمواطئة القلب للسان واللسان للقب، كَذَبُوا أم لا؟

كذبوا في قولهم: {نَشْهَدُ}، وإذا أجبنا عن هذه الآية فلا عبرة بمن تمسك بها.

ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: الفن الأول: علم المعاني.

وَعَرَبِيُّ اللَّفْظِ ذُو أَحْوَالِ ... يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ

عِرْفانُهَا عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي ... مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ فِي ثَمَانِ

هذا الفن الأول، علم المعاني الفن الأول من الفنون الثلاثة التي عنون لها أهل البيان بالبلاغة، وعرفنا أن مستند البلاغة ليست محصورة في هذه العلوم الثلاثة، بل اللسان العربي كله يشارك في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>