هنا قال:(إِنْ ابْتِدَائِيًّا). يعني: إن كان المخاطب خالي الذهن من الحكم والتردد فيه فالمقام حينئذٍ يكون ابتدائيًا، لا بد من تقدير في الجملة كلها (إِنْ ابْتِدَائِيًّا) إن يكن المخاطب خالي الذهن، خالي الذهن من ماذا؟ من الحكم ومن التردد فيه، فإذا انتفى هذان الأمران الحكم أصالة ما يدري عن الخبر من أصله، أو التردد بأن يدري لكنه لم يجزم، فحينئذٍ فالمقام يسمى ابتدائيًّا، ما حكمه؟ (فَلاَ يُؤَكَّدُ) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط لا يُؤَكَّدُ يعني: الخبر. لا يؤكد الخبر يعني: لا تأتي بمؤَكِّدٍ من المؤكِّدات.
فإن تخاطب خال الذهن من حكم ومن تردد، فالتغني عن المؤكدات، زَيْدٌ قَائِمٌ، هو ما يدري قيام زيد، ما يدري عن الموضوع من أصله، قَامَ زَيْدٌ، زيْدٌ قَائِمٌ، حينئذٍ لا يؤكد له، إذا أكدت حينئذٍ لم يطابق الكلام مقتضى الحال انتفت البلاغة، إنسان ما يدري عن زيد قائم واللهِ الَّذِي لا إِلَه غَيْرُه زَيْدٌ قَائِمٌ، نقول: هذا ما يصح. لماذا؟
لأنك أكدت لخال الذهن، وخال الذهن الذي لا يتصور الخبر من أصله، حينئذٍ لا يؤكد. إذًا إن كان ابتدائيًّا وصفة الابتدائي أن المخاطب يكون خالي الذهن، ذهنه صافي من ماذا؟ من الحكم ومن التردد فيه، (فَلاَ يُؤَكَّدُ) يعني له الخبر لتمكن الحكم في الذهن حيث وجده خاليًا، وخالي الذهن من الحكم بإثبات أحد طرفي الخبر الآخر أو نفيه عنه، وذلك بأن لا يكون عالمًا بوقوع النسبة أو لا وقوعها، يعني: ما يدري لم يتصور الطرفين، لم يخطر بباله لا زيد ولا لفظ قائم.
وأما المتردد في أن النسبة هل هي واقعة أم لا؟ تصور زيد وتصور قائم لكن لا يدري هل ثبت القيام لزيد أم لا؟ مات زيد شاع ولا يدري تصور الموت ويتصور زيد لكن لم يتثبت هذا يسمى ماذا؟ متردد ولذلك سمعت أنا بالخبر لكن لست جازمًا هذا يسمى مترددًا، وإذا لم تسمع أصلاً يسمى خالي الذهن، والمتردد في أن النسبة هل هي واقعة أم لا، وذلك بأن يكون متصورًا لطرفي الخبر والنسبة، مترددًا في كيفية استناد أحدهما إلى الآخر طالبًا لها، يعني: يريد التأكيد، فلا يؤكد الخبر لخال الذهن من الحكم والتردد فيه بشيء من المؤكدات وهي: إن، واللام، واسمية الجملة، وتكريرها، ونون التوكيد .. وغير ذلك من المؤكدات، كقولك: زَيْدٌ قَائِمٌ. لمن هو خال الذهن من ذلك ليتمكن في ذهنه لمصادفته خاليًا، لأن خلو الذهن عن الشيء يوجب استقراره، يعني: لا يحتاج ليس هناك ما يُدَافِعُهُ يعني: الذي عنده شيء إذا سمع الخبر عنده منازعة يحتاج إلى تعطيه مؤكِّدًا أو مؤكديْنِ، أما خالي الذهن الذي لا يتصور هذا ما يحتاج ليست عنده منازعة، فهذا هو الضرب الأول من أضرب الكلام وهو الخبر وهو الابتدائي وسمي به لأنه لم يسبق عليه من المخاطَب بشيء من الطلب والإنكار فقد ألقي ابتدائيًّا.