للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاء شقيق عارض رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح

جاء شقيق رجل مجيئه هكذا مدلاً بشجاعته قد وضع رمحه بعارضه كأنه ليس أحد معه سلاح، فقوله: إن بني عمك. هذا الكلام أُلْقِيَ لخالي الذهن وأكده مع كون المخاطب خالي الذهن لكونه نَزَّلَ نفسه أو المخاطَب مُنَزَّلَة المنكِر، وهنا أُكِّدَ له بمؤكِّد واحد لأن الإنكار هنا بالقوة ويحمل على أقل ما يمكن أن يكون، فهذا دليل على إعجاب شديد منه واعتقاد أنه لا يقوم إليه من بين عمه أحد كأنهم كلهم عُزْلٌ ليس مع أحد منهم سلاحه، فهو لا ينكر أن في نبي عمه سلاح هو مقر لكن قوله: إن بني عمك. إن بني عمك نقول: إن هنا للتوكيد أفادت ماذا؟ أفادت في الأصل أن المخاطب منكِر للحكم نقول: لا، ليس الأمر كذلك، لكن لما كان مع خالي الذهن معه أمارة تدل على أنه ليس منكِرًا للحكم، وإنما هو في قوة المنكِر لأن الذي يأتي بالسلاح ويشهره كأن غيره لا يملك السلاح كأنه منكِر لغيره من إثبات السلاح له، حينئذٍ أكده وهو مقر لكونه مُنَزّل مُنَزّلة المنكِر، وقد يجعل العكس المنكِر كالمقر إذا كان معه دلائل وشواهد لو تأملها ارتدع عن إنكاره، فلا يؤكد له كقولك لمنكر الإسلام: الإسلام حق. هو يُنكر الإسلام، الإِسلام حق لأن الإسلام لو تأمله بشواهده لارتدع وعرف أن إبطاله للإسلام هو مُبْطَلٌ في نفسه فأدنى ما يمكن أن يُتأمل من أحكام الإسلام يصل إلى أنه حق، هنا عومل المنكر معاملة خالي الذهن فألقي إليه الخطاب دون توكيد.

الإسلام حق بلا تأكيد لأن مع المنكر دلائل دالة على حقيقة الإسلام، قال في ((الإيضاح)): هذا كله اعتبارات الإثبات وقس عليه اعتبارات النفي. يعني: الكلام كله في الأضرب الثلاثة كما يكون في الإثبات يكون كذلك في النفي، وأورد أمثلة تُرْجَعْ إليها.

إذًا (وَيَحْسُنُ التَبْدِيلُ بِالأَغْيَارِ) بمعنى أنه يؤكد لخالي الذهن، ولا يؤكد للمتردد أو المنكر بحسب القرائن التي تحيط به.

ثم أورد المصنف مسألة تتعلق بالإسناد وهي تقسيمه إلى إسناد [حقيقي عقلي] (١) حقيقة عقلية، ومجاز عقلي.

فالإسناد ينقسم إلى نوعين، الإسناد السابق ضُمّ كلمة إلى أخرى على الحد السابق ينقسم إلى قسمين:

حقيقة، ومجازي.

وكلاهما منسوب إلى العقل.

ثم أورد الناظم مبحث الحقيقة والمجاز العقليين نظرًا إلى أنهما من أحوال الإسناد كالتأكيد والتجريد عنه، ثم لفظ الحقيقة والمجاز له استعمالان، يعني سيأتي معنا في علم البيان الحقيقة والمجاز، وهنا كذلك يأتي لفظ الحقيقة والمجاز ما المراد؟

المراد هنا المعنى الذي هو الإسناد، ولذلك وصف بالعقل، وسيأتي في مبحث البيان المجاز والحقيقة لكن اللغوي، فهنا مجاز لغوي ومجازي علقي، اللغوي يبحث في علم البيان، والعقلي يبحث في علم المعاني، كذلك الحقيقة اللغوية تبحث في علم البيان، والحقيقة العقلية تبحث في علم المعاني، ثم لفظ الحقيقة والمجاز تارة يقصد بهما الألفاظ وذلك سيأتي في علم البيان وهو معناهما الاصطلاحي، وتارة يُستعملان في المعاني وهو تجوز في الإسناد وعدمه، وهو المقصود هنا في علم المعاني.

قال الناظم:

وَالْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ إِنْ أَسْنَدَهُ ... لِمَا لَهُ فِي ظَاهِرٍ ذَا عنْدَهُ


(١) سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>