(صَادِقَةً وَالْأَخْرَى) المقابلة لها (كاذِبَةً. كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ. زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتِبٍ) اتحدا في الموضوع والمحمول، ثم إحداهما سالبة والأخرى موجبة. فإما أن تصدق الأولى وإما أن تصدق الثانية، وأما أن يصدقا: زيدٌ كاتبٌ بالقوة، زيدٌ ليس بكاتب بالقوة نقول: لا.
وإنما قد ينفكان نعم بالجهة زيدٌ كاتبٌ بالقوة، زيدٌ ليس بكاتبٍ بالفعل. صدقا؟ صدقا، لكن لم يتحدا، ولذلك للتحقق والتناقض شروط فيما يأتي ذِكرُها.
قال هنا: (فإنه صادقٌ بما ذُكر) أي: باختلاف القضيتين المذكورتين في مثال المصنف.
(وخرج بالحيثية المذكورة في قول المصنف: بحيث يقتضي الاختلاف) هذه الحيثية، خرج الاختلاف بالإيجاب والسلب لا بهذه الحيثية.
يعني: قد يكون ثم تقابل بالإيجاب والسلب، ثم هذا التقابل بين قضيتين بالإيجاب والسلب على مرتبتين: الأولى: أنه يقتضي هذا الاختلاف صِدق إحداهما وكذِب الأخرى. وهذا هو التناقض.
الثاني: قد يكون بينهما تقابل لكن قد يصدقا أو يكذبا. وحينئذٍ هذا خارجٌ عنه، ولذلك قال: (وخرج بالحيثية المذكورة في قوله: بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا صَادِقَةً وَالْأَخْرَى كاذِبَةً) من هذه الحيثية (خرج الاختلافُ) -بالرفع، هذا فاعل خرج-.
(خرج الاختلاف بالإيجاب والسلب) لو وقفتَ إلى هنا ولم تراعي الحيثية، قلت: حصل اختلاف بالإيجاب والسلب، إذاً: تحقَّق التناقض لا، لا بد من الحيثية وهي: (بِحَيْثُ يَقْتَضِي .. ) إلى آخره.
(لا بهذه الحيثية. نحو اختلاف زيدٌ ساكن زيدٌ ليس بمتحرك) لأنهما ليستا متقابلتين.
ولذلك قال: (لأنهما صادقتان) زيدٌ ساكن صادقة، زيدٌ ليس بمتحرك هذه صادقة، مع أنهما تقابلا بالإيجاب والسلب .. الأولى موجبة والثانية سالبة، ومع ذلك ساكن وليس بمتحرك متقابلان يعني: بمعنى واحد، وإن كان بواسطة.
(لأنهما صادقتان أي: إن كانا ساكناً وإلا فكاذبتان.
وعلى كلٍ فليستا متناقضتين؛ لأن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان) وهنا يجتمعان.
(لأنهما صادقتان).
قال: (وبقوله: لذاته. خرج الاختلاف بالحيثية المذكورة لا لذاته بل لأمرٍ خارجٍ).
يعني: حصل تقابل بالإيجاب والسلب، وحصل كذلك صدق إحداهما وكذب الأخرى.
قال هنا: (وبقوله: لذاته. الاختلاف بالحيثية المذكورة لا لذاته. نحو: زيدٌ إنسان زيدٌ ليس بإنسان؛ إذ الاختلاف بين هاتين القضيتين لا يقتضي أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة لذاته، بل بواسطة).
يعني: تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة، لكن لا لذات الإيجاب والسلب مع اعتبار الحيثية المذكورة، وإنما باعتبار شيءٍ آخر .. بواسطة، إما قضية خارجة وإما لكون الأُولى في قوة كذا والثانية في قوة كذا. والمثال سيأتي.
زيدٌ إنسان، زيدٌ ليس بناطق.
قال: (إذْ الاختلاف بين هاتين القضيتين) هما مختلفتان الأُولى: مثبتة .. موجبة، والثانية سالبة (لا يقتضي أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة لذاته، بل بواسطة) يعني: بدليل (أنَّ الأولى -زيدٌ إنسان- في قوة: زيدٌ ناطق، وأن الثانية -زيدٌ ليس بناطق- في قوة: زيدٌ ليس بإنسان) إذاً: حصل بينهما أن إحداهما صادقة والأخرى كاذبة، لكن لا لتلك الحيثية وإنما لأمرٍ خارج.